يمكن أن يعلل وجودها بفعل قوى طبيعية واحدة. وبما أنهما من جهة أخرى يشتركان في الصدور من الأصل الأصيل المتوحد، الذي بملأ الوجود اللانهائي، وهو الأثير، فيمكن اعتبار هذا الأثير إلهاً، ويكون نتيجة ذلك الحكمأن الاعتقاد بالخالق يتفق والعلوم الطبيعية.).
إلى هذا الحد وصل اعتداد الطبيعيين بالأثير، وهو عنصر افتراضي، اضطر الطبيعيون إليه، لأنه لا يمكن تعليل كثير من ظواهر الطبيعة بدون افتراض وجوده، فهل بقي لهم وجه للاعتراض على الدينيين في القول بوجوب وجود قدرة عليا أوجدت الوجود كله، ومتعته بالقوى والنواميس الضرورية، لبنائه على ما هو عليه، من تنوع موجوداته، وتباين كائناته؟.
لعمري أن ما ذكرناه لربح للدين من العلم أعاد إليه ما سلبه منه من الاحترام في نظر أتباعه، فكان هذا جزاء للعلم من جنس العمل على نحو لا يمكن إخفاءه، يجب أن يفطن له الذين يهيمنون على العقائد.
وكان مما فتن أهل العلم منذ أكثر من ألفي سنة ما ارتآه (ديمو كريت) الفيلسوف اليوناني من أن أصل المادة جواهر فردة متناهية في الصغر لا تقبل الانقسام تتألف مادة جميع الأجسام الكونية منها.
انتشر هذا الرأي وأخذ به أهل العلم في كل مكان وزمان، وقارعوا به حجج الدينيين في أن المادة محدثة كسائر الموجودات، وظل الأمر على هذا المنوال قروناً، ودرس الناس في كل أمة علم الطبيعة على هذا النحو حتى أواخر القرن التاسع عشر، فرأى الأستاذ اللورد (رودفورد) من أساتذة جامعة منشستر أن الجوهر الفرد لا يعقل أن يكون حصاة جامدة متناهية في الصغر، وأنها لا بد من أن تكون مجتمع قوي لو أمكن فض اجتماعها أحدث تفرقها قوى هائلة يمكن استخدامها في الشؤون الصناعية. وأخذ من ذلك الحين يحاول حلها. كان ذلك في سنة (١٨٧٥). وما جاءت سنة (١٩١٠) حتى كان بعض الطبيعيين قد تمكنوا من تفتيت الذرة فثبت ثبوتاً علمياً أنها مجتمع من القوى، فرال من الأذهان ما كان يقوله الماديون من قدم المادة حتى أن الدكتور (فيلبون) كتب في مجلة (العلم والحياة) سنة (١٩١٧) يقول: