من حوادثه، فيدرك ما يراد منه إدراكه بذاته، لا بأية آلة من آلاته، وتظهر له من الخواص ما يفوق ذلك، خصائص روحية لا جدال فيها، وهي مع ذلك تجريبية محسوسة. وقد سلك العلماء سبيلا أخرى للوقوف على ما نجهله من خصائص النفس منذ قرن واحد وصلوا منها غايات بعيدة، ومكتشفات مدهشة.
كل هذا ربحه الدين من العلم في مدى المائة وخمسين سنة الأخيرة، وهي تكفي لدحض كل فلسفة مادية، واكتساب حجة الدين قوة تجعلها فوق متناول الشكوك.
أليس من العجيب بعد هذا أن رجال الدين لا يأبهون لهذه الأسلحة العلمية، بل يوجد فيهم من يكذب بها ويعمل على ملاشاتها! ألا فليتحققوا أن العصر الذي نعيش فيه هو عصر العلم، وأن أي مدرك من المدركات، لا يمكن أن يأبه به أحد ممن يعتد بهم إلا إذا جاءه من طريق العلم، فلا نجعلن بيننا وبينه حجاباً، ولنستفيد مما وصل إليه من التطور لنجتذب القلوب إلى حظيرة الحقائق الإلهية الخالدة بما تقرر فيه من المكتشفات الباهرة، فإن كان لا بد للقائمين بذلك من دراسة خاصة فلنقم بها، وما يذكر إلا أولو الألباب.