طير أو في معدة أي وحش صار قبره. . . وخلفت فيه ذكريات صباها وبقايا سعادتها وحبها ولكنها فرحت بالخروج منه، حتى لا ترى ما يذكرها كل يوم بما فقدت، ولتلحق بديار قومها، وأهل ملتها. . .
سارت وهي سابحة في أفكارها فتخيلت زوجها وهو يمشي معها في الموكب الظافر تحت راية الصليب، فبكت واختلط نشيجها بنشيج النسوة من حولها وهن يبكين من خلفن من الأسرى والقتلى، وإذا بالجنود يقفوهن، فسكتن من الفزع ووقفن وأيقن بالهلاك، فأرجعوهن فإذا على رابية طائفة من المسلمين بينهم شيخ على فرس له، لم يرع (مارييت) وصحبها إلا قولهم: هذا هو السلطان.
هذا هو السلطان، هذا (صلاح الدين) المخيف، آكل لحم البشر وشارب الدماء. وجعلت تختلس النظر إليه فلا ترى ملامح الوحش الكاسر، ولا تبصر الأنياب ولا المخالب، ولا ترى إلا الهيبة والنور والجلال، فلما وقفن عليه، قال: ما تردن؟
لما رأت (مارييت) زوجها صحيحاً معافي، نسيت الشقاء والهزيمة، وألقت بنفسها بين ذراعيه، لم تخف أن يبصرها الناس، فقد جعل كرم السلطان كل واحد يشتغل بسعادته، ثم مشت الطريق بهؤلاء النازحين لم يمشوا هم فيها، لأنهم ملئوها فلم يعد يعرف أول لهم من آخر، فكان الطريق كالنهر الممتلئ بالماء من منبعه إلى مصبه، نهر من الأسى والفرح، والهزيمة في المعركة والظفر بلقاء الأحبة، وكره الغالبين وشكرهم على إحسانهم، وأحست (مارييت) في قلبها بالاعتراف بفضل هذا الرجل المحسن، ورأت خلال الإنسانية والحق والنبل تتمثل فيه هو، لا فيمن رأت من رجال قومها. وكادت تحبه ثم تنبه في نفسها دينها وما علموها من بغض الإسلام فتوقفت وحاولت أن تذكر سيئة واحدة لهذا الرجل ولقومه تستعيد بها بغضاءها إياهم فلم تجد، وجعلت تقابل بينه وبين البطريرك الأعظم، الذي خرج مع القافلة بعدما استلب المعابد كنوزها، وكنس الكنائس وحمل كل ما كان فيها، ولم يعط من هذا المال أحدا، لم يجد به على امرأة ضعيفة تمشي معه، ولا على شيخ عاجز، وذكرت ما