ولا يصعب على الباحث أن يرد ما اعتور نهضتنا القومية الأخيرة من نكسة وفساد تتبدى آثارها في النزعات الحزبية على حساب الوطن، وفي هبوط مستوى الصراع والأسلحة التي تستخدم فيه إلى نفاد الطاقة الروحية أو اضمحلالها، لأن رصيدها المذخور من عهد جمال الدين لم يتجدد أبداً.
وبالمثل يمكننا أن نرد كثيراً مما نراه من الانحلال الخلقي الفردي والاجتماعي إلى خمود الشعلة المقدسة في الوقت الذي تغمرنا فيه موجات من أوربا المنحلة، التي خبت روحها من قرون، واستحالت آلة لا قلب لها ولا ضمير تنفق من رصيد قديم سينفذ بعد حين.
والآن يجب أن نتنبه إلى هذا الخطر. . . إن اليقظة السياسية وحدها لا تبقى ولا تعيش، ولا يرتفع مستواها إلا إذا أمدتها طاقة روحية تنفخ فيها وتقويها، فأين هي القيادة الروحية لهذا الجيل؟ القيادة التي تخلق الشخصيات العظيمة كما خلقتها قيادة جمال الدين؛ وترتفع بالأفراد والجماعات عن المطالب الوقتية إلى المطالب العليا؟
هنالك جماعات تدعوا دعوات إسلامية. ولكنها جماعات هزيلة الروح، ناضبة، خامدة، أضعف من أن تنفخ في الجيل الهابط المنحل.
ترى يتمخض الانحلال عن قيادة روحية عظمى كما عودتنا روح الإسلام على مدى الزمان؛ نرجو أن تكون هناك وثبة قريبة، وأن يظلنا موعدها المرموق.