بطحاؤها، وأحجن ثمامها، واغدق إذخرها، وأنشر سلمها)؛ فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم، وقد أثار هذا حنينه إلى وطنه الأصلي:(حسبك يا أصيل لا تحزني) وفي رواية: (إيهاً يا أصيل! تدع القلوب تقر) وعن أبن عباس رضى الله عنهما قال، قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم في مكة:(ما أطيبك من بلد وأحبك إلي! ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك). وعن الضحاك رضى الله عنه أنه قال:(لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة، فأنزل الله تعالى عليه: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)(قال أي إلى مكة) - ولا أدل كذلك على حب العرب لأوطانهم الأولى وشدة حنينهم إليها من عنايتهم في وثنيتهم بالحج إلى مكة، حتى لقد ارتقت هذه الشعيرة لديهم إلى مصاف الفرائض الدينية الهامة. وما الحج في نشأته الأولى إلا مظهر من مظاهر حنين العرب إلى وطنهم الأول ومنشأ أجدادهم الأولين وهو الحجاز. فمن المحقق أن الحجاز كان المهد الأصلي للشعب العربي، ومنه انتشر هذا الشعب الكريم في جميع أنحاء الجزيرة العربية وغيرها من بلاد العالم.
وأما شدة ميلهم إلى الهجرة كلما دعاهم إلى ذلك داع جدي فلا أدل عليه من هجراتهم المتوالية في فجر تاريخهم وفي عصور جاهليتهم وإسلامهم.
فمن الحجاز واليمن اتجهت في فجر التاريخ موجات الهجرة العربية إلى مختلف أنحاء الجزيرة العربية وإلى غيرها من بلاد العالم. - فمن هذا القسم نزح الساميون إلى العراق وغزوا بلاد السومريين وغلبوهم على أمرهم وأنشئوا مملكة بابل - ومن هذا القسم كذلك نزح الساميون إلى الشمال فتكونت من سلالاتهم الشعوب التي عرفت باسم الشعوب الكنعانية وهي التي تفرع منها الفنيقيون والعبريون - ومن هذا القسم كذلك هاجر بعض قبائل الإسماعيليين (أي أولاد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام) إلى خليج العقبة حيث تكون من سلالاتهم الشعب النبطي وهو مخترع الخط النبطي المتصل الحروف الذي انشعب منه خطنا العربي الحالي. - ومن هذا القسم كذلك هاجر عرب الرعاة أو الهكسوس إلى مصر حيث أنشئوا ملكاً كبيراً ونشروا حضارتهم العربية على ضفاف النيل. - ومن هذا القسم كذلك هاجر في أقدم العصور قبائل عربية إلى الهند والحبشة والسودان وشمال أفريقيا وشرقها. - ومن هذا القسم كذلك هاجر في أوائل التاريخ الميلادي بعض القبائل