للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المعدية (أولاد معد) التي كانت تقطن الحجاز إلى الشام وبعض القبائل القحطانية التي كان موطنها اليمن إلى الشمال والشرق. فنزلت منها غسان بالشام والأوس والخزرج بالمدينة (وهاتان القبيلتان الأخيرتان قحطانيتان هاجرتا من اليمن إلى المدينة وإليهما هاجر الرسول عليه السلام، وفيهما تكون الأنصار رحمة الله عليهم ورضوانه).

وكذلك كان شأن العرب في عصورهم التاريخية السابقة للإسلام مباشرة، والتي اشتهرت باسم العهد الجاهلي. وقد جمعت لنا كتب الأدب طائفة كبيرة من أخبار هجراتهم وتنقلاتهم إلى مختلف أرجاء الجزيرة العربية وإلى غيرها من بلاد العالم؛ حتى أننا لا نكاد نجد قبيلة استقرت في موطنها الأصلي. وقد ساعد على تتابع هجراتهم وكثرة تنقلاتهم عدم خصوبة أرضهم، واشتغال معظمهم بمهنة الرعي، وسعيهم وراء الكلأ والماء. وساعد على ذلك أيضاً كثرة حروبهم الأهلية التي لم يكد يخمد لها سعير في هذه العصور؛ فكانت القبيلة التي تكون في موطنها عرضة للعدوان أو تغلب على أمرها تنزح في الغالب عن ديارها؛ كما حدث لمعظم بطون تغلب بعد أن هزمتها بكر في حرب البسوس.

أما هجراتهم بعد الإسلام فحدث عنها ولا حرج؛ فقد انتشروا في جميع بلاد العالم المتحضر في ذلك العصر من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً، ومن أقاصي السودان جنوباً إلى آسيا الصغرى والبلقان وفرنسا وإسبانيا شمالاً، فنشروا في هذه البلاد دينهم وأخلاقهم وتقاليدهم ودمهم العربي. وأسسوا بنيان ملكهم فيها على تقوى من الله ورضوان. وفي هذا يقول شاعرهم الرحالة أبو دلف (وهو خزرجي من سلالة الأنصار الكرام).

فنحن الناس كل الن ... اس في البر وفي البحر

أخذنا جزية الخلق ... من الصين إلى مصر

إلى طنجة بل في ك ... ل أرض خيلنا تسري

إذا ضاق بنا قطر ... نَزُل عنه إلى قطر

لنا الدنيا بما فيها ... من الإسلام والكفر

فلم يكن إذن حادث هجرة الرسول عليه السلام وجماعة من أصحابه من مكة إلى المدينة غربياً على الطبع العربي؛ بل كان هذا الطبع يحتمه تحتيماً في مثل الظروف التي تمت فيها هذه الهجرة، كما حتم من قبل ذلك في ظروف مشبهة لهذه الظروف هجرة نفر إلى بلاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>