الحبشة وإلى المدينة نفسها من السابقين الأولين إلى الإسلام. فقد أشرنا فيما سبق إلى أن العربي كان يندفع بطبعه إلى الهجرة من بلاده إذا دعاه إلى ذلك داع من مصلحة عامة أو خاصة أو أصابه ضيم بين عشيرته. وهذه الأسباب جميعاً كانت متوافرة في هجرة الرسول عليه السلام.
ومع أن أهل المدينة كانوا يتألفون حينئذ من قبائل قحطانية تختلف في أصولها الشعبية عن القبائل العدنانية التي ينتمي إليها الرسول عليه السلام، فقد آثر الهجرة إليهم دون غيرهم لأسباب كثير أهمها في نظري ثلاثة أسباب:
(أحدها) أن أخوال أبيه عليه السلام كانوا قحطانيين من أهل المدينة. فكان طبيعياً، حسب مألوف العرب، وقد خذله عصبته وساموه سوء العذاب ووقفوا في سبيل دعوته، أن يلجأ إلى بعض فروع خئولته يلتمس منهم العون والحمامة. فالخئولة أقرب الناس إلى العربي بعد عمومته. بل يظهر أن العرب في مرحلة ما من أقدم مراحل تاريخهم كانت لحمة نسبهم بخئولتهم أوثق من لحمة نسبهم بعمومتهم.
(وثانيها) أنه قد آمن به قبل هجرته عدد كبير من أهل المدينة وبايعوه على الدفاع عن دينه. فكان طبيعياً أن يؤثرهم على غيرهم بهجرته ويتخذ منهم أنصاراً لنشر رسالته. (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
(وثالثها) أن أهل المدينة وضواحيها كانوا أكثر استعداداً لقبول فكرة التوحيد التي جاء بها الدين الإسلامي من بقية أهل الحجاز. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى كثرة احتكاكهم بالموحدين من اليهود والنصارى الذين كانت تتألف منهم حينئذ جاليات كبيرة عربية وغير عربية في المدينة نفسها وفيما يتاخمها من مواطن.
صحيح أنه قد ظهرت بمكة قبيل الإسلام مدرسة الحنفيين الموحدين الذين انحرفوا عن الشرك والوثنية (ومن أجل ذلك سموا بالحنفيين أي المنحرفين) وعبدوا الله وحده على ملة إبراهيم وأقاموا الصلاة وصاموا رمضان وكان من هؤلاء محمد بن عبد الله نفسه قبل أن يبعث رسولا، كما كأن منهم نفر من قريش، ولكن أعضاء هذه المدرسة كانوا يتألفون من