يسئن إلى وطننا العزيز أبلغ إساءة ويسلفن إلى قوميتنا ضرراً يتضاءل بالقياس إليه كل نفع مهما جل وعظم.
وهنا بلغنا الجرثومة من الصميم ووصلنا نقطة البحث ومدار الحديث، وتمثلت أمام أعيننا قصة الإمضاءة التي لا خطر للصك إلا بها، ولا قيمة لما يحويه من المال بغيرها.
لقد أجمع رجال التربية، وأساطين علم النفس، على أن الطفل جدير بأن يتحلى بأكرم الأخلاق وأنبل الصفات - منذ نشأته - وتواصوا بتثقيفه وتكميله، وتحبيب العلوم والفنون والآداب إلى نفسه بكل وسيلة شائقة مغرية. فإذا تم لهم ما أرادوا، فقد كتب الصك وفيه الرقم الذي نريد، ولم يبق إلا أن يمضى، والإمضاءة هي كل شيء في الصك، أو على الأصح الأدق: هي الشيء الذي لا تتم قيمة الصك إلا به.
نعم يبقى شيء نحرص عليه جاهدين ونتثبت منه مستوثقين، وهو:(على أي أساس نشئ الطفل؟ تنشئة عربية، أم تنشئة أجنبية؟ وهل قيد في دفتر مولودينا نحن أبناء العرب ووارثي تاريخهم وتراثهم وأمجادهم؟ أم أثبت في دفتر مولودي غيرنا من الأمم؟).
فإن كانت الأولى فهو من أبنائنا البررة الكرام العاملين على إعزازنا ورفقتنا. وإن كانت الأخرى قيدناه في دفتر الوفيات وضرعنا إلى الله - سبحانه - أن يجعله فرطاً صالحاً ويعوضنا خيراً منه، ويلهمنا الصبر والسلوان ويعزينا عن فجيعتنا فيه أحسن العزاء، ولا غرو أن نثكله حياً فقد ثكل الشريف الرضي بعض رفاقه الغادرين أحياء فقال مبدعاً:
رحم الله تلك الأجزاء العزيزة التي ندفنها كل يوم. وماذا يجدينا أن يصبح بعض أبنائنا مثال العبقرية في العالم بعد أن سلخ منا؟ وهل ينفعنا أن يصير أحدهم أشعر شعراء فرنسا أو إنكلترا أو ألمانيا - مثلاً - فيضيف إلى تراثها صفحة خالدة مشرقة ما كان أشد حاجتنا إلى إن يزاد في أسفار أمجادنا العربية الحديثة.
وماذا يعنينا من أمر هذا وأشباهه - مهما عظم خطره وجل - بعد أن يسلخهم منشئوهم من أسرتنا العربية التي نسعى لرفعتها وعزتها مستميتين؟ أو بأسلوب آخر. ماذا يجدي علينا أن تصبح بلادنا أغنى بلاد العالم وأوفرها قصوراً وأعظمها مصانع ما دام أبناء البلاد لا