فمسألة المسائل الجوهرية - إن صح التعبير - هي أننا نريد أن يكون كل إصلاح نقوم به في بيت نملكه لا في بيت نكتريه. وفي طفل ينتسب إلينا بعروبته وشمائله لا في طفل ينتسب إلى غيرنا من الأمم برطانته ومواهبه. وجماع القول: إننا نريد أن نسخر قواتنا كلها لخدمتنا ورفعة مجدنا - نحن أبناء العرب - لا لخدمة غيرنا من الأمم وإضافة صفحات إلى أمجدهم ولن تعنينا ساقية تدور في بلادنا، ما دامت تسقي أرضاً لا نملكها وتزيد في ثروة لا تعود على مواردنا بفائدة. كما لا يعنينا أن يصبح أبناؤنا سادة العالم ومناط فخاره، ومبعث مجده. ما داموا لا يمتون إلينا بصلة ولا تربطه بنا آصرة.
ماذا؟ إن الأمر أكبر من هذا كله فإن خطر هؤلاء الأبناء والأخوة لن يقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى ما هو شر منه فإنهم بلا شك عامدون - وقد رأينا مصداق ذلك في الكثيرين منهم - إلى تراثنا فمحقروه، وإلى أكرم تقاليدنا فمحاربوها، وإلى أنبل مزايانا الشرقية فمفوقون إليها أخبث السهام وأفتك الأسلحة.
وقديماً قال أبو العلاء:
(ربيت شبلاً فلما غدا أسدا ... عدا عليك فلولا ربه أكلك)
ولكن اللوم علينا فقد تنكبنا قول المعري وخالفنا نصيحته التي أوصانا بها في تلك القصيدة البارعة حين قال:
(فلا تعلم صغير القوم معصية ... فذاك وزر إلى أمثاله عدلك
فالسلك ما اسطاع يوماً ثقب لؤلؤة ... لكن أصاب طريقاً نافذاً فسلك)
وقد شكا الشاعر العربي من عقوق ولده فقال:
(وربيته حتى إذا ما تركته ... فتى الحرب واستغنى عن الطر شاربه
تغمد حقي ظالماً، ولوى يدي ... لوى يده الله الذي هو غالبه)
ولن نمثل في هؤلاء الخارجين عنا إلا بقول ابن الرومي:
(وإخوان تخذتهم دروعا ... فكانوها، ولكن للأعادي
وخلتهم سهاماً صائبات ... فكانوها، ولكن في فؤادي
وقالوا قد صغت منا قلوب ... لقد صدقوا ولكن عن ودادي)