(أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشْتَدَّ ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني
إلى هنا قد بلغنا المدى - في_ما نظن وأدركنا أن أول واجب علينا وعلى كل من يتصدى لتنشئة أطفالنا أن ينشئهم عرباً قبل كل شيء. وبعد كل شيء، وعلى الرغم من كل شيء. فما هي الوسيلة إلى بلوغ هذا المأرب الجليل!
الأمر على خطورته، غاية في اليسر فإن مفتاح كل جنسية من جنسيات الأمم المختلفة الأخرى هو لغتها التي تحوي تاريخ أهلها وتراثهم الأدبي الحافل، ومزاياهم وشمائلهم النادرة وما إلى ذلك من ضروب الفضائل والأمجاد فليكن أول هدف يفوق إليه المصلحون سهامهم المسددة أن ينشئوا أطفالنا على الفصحى لنؤمن أولاً أن السجل قد كتبهم في دفاتر مولودينا، ولم يقيدهم في دفاتر وفياتنا، فإن الطفل إذا أنشئ على لغة أجنبية انسلخ عن قوميته، وإذا أنشئ على العامية انسلخ عن شعوب الشرق العربية كلها، وأصبح بمعزل عن أسرته العظيمة المنتشرة في أقطار تلك الإمبراطورية الفكرية العربية الشاسعة. وأن كل تهاون - بالغ ما بلغ من التفه - بهذا المبدأ الأقدس الأسمى هو إساءة وقد كدت أقول (إجرام) في حق الوطن العربي الخالد.
لقد حدثتنا الأساطير أن مصدر قوة (شمشون الجبار) كانت في شعره. قالت الأسطورة. فلما قص أعداؤه شعره - بعد أن فطنوا إلى هذا سر - وهن الجبان واستكان. وقد حدثنا التاريخ الصادق الأمين وقصت علينا حقائق الحياة وعبرها أن شعر شمشون يتمثل في كل أمة - إذا فحصنا عنه - في لغتها فإن قص هذا الشعر، وهذه اللغة، وهنت الأمة في أثره وضاع خطرها وتفككت أواصرها الوثيقة.
ومتى أقررنا ذلك، وجب علينا أن نمهد لهذه الغاية الجليلة وسائلها ونعبد لها طرائقها ونيسر للطفل منهاج العربية واضحاً لا عوج فيه ولا أمتا، مستعينين على ذلك بكل أساليب التربية الصحيحة، ومغرياتها الرشيدة على ألا تسمح في إثبات لفظة عامية أو عجمية دخيلة لا يقرها اللسان العربي، ولا توائم أساليب الفصحى، فإن كل خطأ في ضبط الكلمات التي نقدمها لأطفالنا، وكل تقصير أو إهمال في تحري فصاحتها والتثبت من صحتها جناية على