الرابعة:(فقضاهن سبع سموات في يومين). وإذن فقد كان هناك قبل خلق السموات السبع أرض واحدة تم خلقها، وسماء واحدة كانت دخانا. وهذا عجيب من أسرار خلق السموات والأرض لا يعرف العلم منها إلى أن السماء كانت يوماً ما دخانا. ولا تزال كتل هائلة مما سماه الله دخاناً يشاهدها الفلكيون بمراقبهم القوية اليوم في السماء وان تكتّل داخلُ أكثرها نجوما، ويسمونها سُدُماً، ما تكتل منها وما لم يتكتل. وهذا مثل عجيب من الإعجاز العلمي للقرآن: هذه الدخانية التي كانت عليها السماء.
وواضح أن تخلق السماء إذ ذاك سمواتٍ سبعاً المشار إليه في الآية الرابعة كان طاعة من السماء لنصيبها من الأمر:(ائتيا) إذن فما هو نصيب الأرض وقد قالتا (أتينا طائعِين)؟ هل الأرض في قوله تعالى:(فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً) هي نفس الأرض التي نحن عليها؟ إن الجواب المتبادر هو نعم. لكن القرائن تمنع من هذا المتبادر. وأول هذه القرائن وأهمها أن أرضنا هذه كان قد سبق تشكيلها، وتم خلقها وخلق جبالها وخلق الحياة على ظهرها قبل أن يصدر الأمر، بدليل (ثم) الترتيبية في أول الآية الثالثة، بعد تمام خبر خلق الأرض في الآيتين الأوليين. والأمر أمر واحد:(ائتيا)! فإذا كان أمرَ خلقٍ فيما يتعلق بالأرض المخاطبة. فهل يمكن أن تكون الأرض المخاطبة بذلك الأمر هي الأرض التي تم خلقها؟ أليست هذه قرينة قوية جداً على أن الأرض في الآية الثالثة غير الأرض في الآية الأولى، أي غير أرضنا هذه؟ بلى! وتكن أل للعهد في الآية الأولى، وللجنس في الثالثة. فهل هناك قرائن أخرى على هذا الاستنتاج تؤيده وتزكيه؟
إذا تذكرنا أن المقابلة تامة في اللغة بين كلمتي أرض وسماء، وكذلك هي تامة في الآيات الثلاث الأولى حين لم يكن إلا أرض واحدة وسماء واحدة، كان في ذلك إشارة مغنية إلى أن السبع السموات المذكورات في الآية الرابعة يقتضي وجودهن وجودَ سبع أرضين يقمن بازائهن: أرض تقابل كل سماء. ولما كانت إحداهن موجودة تامة الخلق بالفعل حين صدر الأمر، كان المخاطب المعني بالأمر في (ائتيا) هو الأرضين الست الأخرى المقابلة للسموات الست الجديدة: خلقهن - سبحانه - كلهن من السماء الدخانية الأولى. وتكون أل في لفظ الأرض في الآية الثالثة هي للجنس كما استنتجنا.
ويزداد هذا المعنى والتخريج تأييداً فوق تأييد، وتوضيحاً فوق توضيح، بالآية الأخيرة من