والأخرى أننا تعودنا كلما تحدثنا في تاريخ الشعوب أن نقول إن لنا تاريخاً مجيداً وحضارة تليدة منذ خمسة آلاف سنة. نعم، ولاشك في أن لنا تاريخا حافلا طويلا وحضارة مجيدة، وهو تاريخنا وحضارتنا حقا. ولكن لماذا تأخرنا الآن؟ لاشك أنه لا ينفعنا مجد أجدادنا منفردا.
بسبب هاتين المسألتين وشكي فيهما، تذكرت ما قال الفيلسوف (نيتشة). (من الضروري تقدير قيمة كل شيء من جديد).
لقد أفزعتني مصيبة الوطن وأزمة الأمة التي أصابتنا منذ حادث ١٨ سبتمبر جد الافزاع، وحملتني على أن أفكر فيما يستحق التهذيب من خلقي حسب قواعد المروءة خاصة، ثم فيما يجب عليّ لخدمة الوطن حسب القوانين عامة. وأخيراً رأيت أن أعرض على الناس اقتراحي فيما أسميه (خطوات المرء الثلاث)، وهو يشير بأن لا نعمل شيئاً، إلا (أ) لفائدتنا بدون خسارة الناس، و (ب) لفائدتنا وفائدة الناس، و (ج) لفائدة الناس وإن لم نستفد.
نعم، إن الإنسان كان حيوانا أنانيا، إذ كان يفتح فمه لشرب اللبن منذ أن ولد، ثم يخاصم أمه على شيء من الأكل والشرب في عهد الطفولة. ولكن مهما يكن الأمر، فالواجب على من بلغ سن الرشد الذي هو وقت حاجة المجتمع إلى عناية الفرد أن لا يعمل شيئا إلا حيث يستفيد بدون أن يضر الناس ثم إن استفاد وأفاد فذلك خير، أما إن أمكنه أن يضحي بنفسه وفائدتها في سبيل فائدة المجتمع فذلك ممن بلغوا الذروة في الفضل والتضحية.
إنا إذا ترسمنا خطوات هذا الطريق في سبيل مصلحة الوطن والعالم، ضمنا ألا يعمل إنسان إلا لفائدته بدون ضرر الوطن والعالم، أو لفائدته وفائدة الوطن والدنيا جميعا، أو يضحي بنفسه في سبيل الوطن والعالم، وذلك منتهى الإيثار.
على أساس هذه القاعدة، كنت ألقيت خطابا في جامعة (تسين هوا) بمدينة بنغ بين، ثم كتبت ست مقالات تحت عنوان (إلى شبان الشمال) حين وصلت إلى شنغ هاي، بنيتها على هذه الأساس أيضا. أما من ناحيتي، فكنت ولا أزال أتمسك بهذه المبادئ، لتهذيب خلقي الشخصي خاصة ولأحسن معاملتي مع الناس عامة.
وفي الربيع الماضي الذي كان آخر مرحلة من مراحل حرب الدفاع المقدس، حين بدا لنا