للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بارق النصر، استأنفت الجهاد في إيقاظ أبناء وطني، ليعملوا جهدهم في إشعال الروح القومية ونبذ الكراهية والتلاوم والمحاباة. وذلك لما لاحظت في قلوب الناس من دلائل الأغلال واليأس من الحياة، قاصداً بذلك الإيقاظ انتشال الناس من المنحدر الذي كادوا ينحدرون إليه، ودفعهم إلى تيار جديد عاصف. ولكنني الآن قد شعرت إزاء أمنيتي تلك أن كل ما عنيت ليس كافيا.

ولماذا شعرت بعدم كفايته؟ ذلك لأن كل ما بقى فيما أشرت إليه من المسألتين المذكورتين لابد أن يعاد تقدير قيمته ثانية.

إني متأكد كل التأكيد أننا لا نقدر أن نتفوق على الهنود في بحث علوم الفلسفة. ذلك لأن فلاسفة الهنود قد بلغوا ببحوثهم أبعد حدود الخيال الجميل، حتى كأنهم كشفوا مرج عبقر حيث يسكن الجن، وكل هذا بدأبهم على البحث ومزاولة الزهد والطمع في نعيم الجنة، حتى أنكروا الحياة وعدوها من البلايا والمصائب، ولكنهم أصبحوا من أضعف الأمم في العالم ولا يزال وطنهم مستعمرا.

وإني لأعتقد كل الاعتقاد، وقد زعمنا أن لنا تاريخا في الحضارة منذ خمسة آلاف عام، أننا لن نقدر أن نتفوق على المصريين من حيث ذلك التاريخ، لأن أسلافهم قد بنوا الهرم الأقدم قبل خمسة آلاف عام، وألفوا التقويم السنوي لمعرفة أيام السنة، قبل ستة آلاف سنة، وكل هذا ظاهر بين، فمن الحقيقة أن المصريين كانوا من الذين بنوا الحضارة، ولكنهم الآن لا يزالون من أضعف الأمم، ولابد أن يبذلوا أقصى جهدهم للنهضة على الرغم من أن بريطانيا سمحت بالاستقلال.

أما علوم الأخلاق وفلسفة الحياة، فقد كان أهل الصين فيها مسهرة متفوقين على غيرهم، ولكن شعب الصين ما يزال الآن متأخراً أيضا.

وكم شعرت دائما حين بدت لي علائم الضعف، بأن ثمة شيئا من الخلل يعبث بحضارتنا، ولابد أن نبحث عن منشئه الأصلي خلف دائرة البهرج الظاهر في حضارتنا.

بحث صديقي (لين تاو تزي) فلسفة نيتشة ونقدها، ثم بين بحثه في مقاله (نظري إلى نيتشة)، ولخص مذهب الفيلسوف في كلمتين، وهما: (إن الابتكار يكتشف ليعطي للناس، ولكن ذلك الإعطاء ليس شفقة بهم). أي أن القصد من الاختراع هو انتفاع العالم، ولم يكن

<<  <  ج:
ص:  >  >>