للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حضارة الصين الخسارة والضرر. ولاشك أن أكثر العلوم العالية الصينية، كان من فلسفة الحياة وأكثر علمائنا قد بحث علاقات الناس ببعض بحثاً عميقاً ظاهر العمق. خذ مثلا: ما يقال من أن كونفشيوس تشرف بزيارة الكاهن (لووتز) طالباً أدباً؛ وكان كونفشيوس لايزال شابا ناضج العقل ذا عزم وطموح، فقال له (لووتز) بوقار الكهنة: (أترك ما في نفسك من العناد والكبر، ثم امح من نفسك ذلك الشره الذي غلب عليك.) يعني ألا تكون مضطرم الفكر متبرم القسمات؛ وألا تبقى في قلبك شيئا من حب الشهرة والطموح. ثم قال: (إن التاجر الغني هو الذي يخزن سلعه في أعماق متجره، حتى كأن دكانه خال من البضائع؛ وإن الإنسان الكامل من يكون في عنقه الموفورة كالأحمق).

فأولى هاتين الكلمتين تعلم الإنسان أن يكون تاجراً خائنا، يدخر بضائعه لينتهز فرصة للربح الفاحش، وثانيتهما تعلم الناس أن يتحامقوا عمداً. إلا أن كونفشيوس احترم (لووتز) ورأيه كل الاحترام، فانصرف وقال لتلاميذه: (إني تشرفت اليوم بمقابلة السيد الكاهن (لووتز)، وما هو إلا تِنِّين!)

وأعظم الظن أن كونفشيوس قد أخذ يكره تلميذه (تزلو) الشديد الجسور بعد أن أدبه، وكان دائما يشتمه قائلا: (يا للمزاج الهمجي! يا للطبع البربري!) ثم أخذ تلميذه الأستاذ (تزلوا) يتاجر نعد ذلك، فكسب كسبا جزيلا. فلا جدال أن فلسفة (لووتز) فلسفة ماكرة. وأما فلسفة (جواتز)، فقد كانت فلسفة الجبن والضعف، لأنها ستار يحتمي به صاحبه من ضرر الملوك الجبابرة من جهة، وطريق يدرج فيه من جهة أخرى.

ولا جدال في أن الإمبراطورين (ياو) و (شون) كانا من المثل العليا للعفة وحسن الخلق، فلذلك دأب الصينيون على ذكر اسميهما في معرض أمثال العفة وحسن الخلق. ولقد كان (شون) يعتبر الدنيا كحذاء عتيق لما كان أمبراطوراً، وكان يبكي بكاء مراً، ويستغفر الله من قسوة أبيه (قوسى)، حتى هم أن يفر من الدنيا. وفوق ذلك كان دائما يهتم بشأن أخيه (شينغ) التعس الشرير لقلبه الحنون، فكان يسر لسرور أخيه، ويحزن لحزنه أيضا: وإذا كانت شئون النبي أو الإمبراطور لم تخرج عن حيز المتاع الشخصي هكذا، فما شأن من قلت منزلتهم عن النبي والإمبراطور؟

قال لي الأستاذ (فوماوجيغ) إنه حاول أن يكتب مقالا، يتحدث فيه عن شئون موظفي

<<  <  ج:
ص:  >  >>