وتتطور المناقشة بين الاثنين، فتذكر له العروس أن واجبه نحو ابنه قد انتهى وأن عاطفته نحوه إنما هي استمرار آلي لما كان يشعر به عندما كان ابنه لا يزال طفلا. أما هي فواجبها لم يكد يبدأ بعد. وعندئذ يقول لها في تأنيب خفيف:
- إنه ابني. . . فتجيبه بك روحها: - إنه حياتي
ثم تنبهه إلى أنه ما دام قد حضر فمن غير اللائق أن يدور الحديث على شيء آخر غيره. وأن واجبها الأوحد هو أن تحبه وتذكره بالضحكة التي ضحكها عندما قرأ البرقية الواردة باستدعائه، وكيف أن هذه الضحكة الرهيبة قد أرعدتها وهي تشرح ذلك فتقول إنه يحمل طابع الحرب على شخصيته. ولقد أحست هي نفسها بكل هول الحرب عندما رأت كيف تقلصت عضلات وجهه المحبوب واستحال إلى عنف مخيف بمجرد أن نظر إلى البرقية.
ويلاحظ الأب الشيخ أنها لم تعد تتحدث إلا عن خطيبها، وأن ابنه لا يتحدث إلا عنها. ويبدو له أنهما يشعران بأنه ليس بين الأحياء سواهما. وهو يحس لذلك بغضاضة على نفسه، ويشعر بشيء من الغيرة إذ يسيطر الشباب هذه السيطرة على منزله. ويتحداه كما كان الظافرون يتحدون خصومهم المغلوبين بالسيوف فيما مضى! وهو يخشى أن يكون عقبة بين ابنه وبينها. وتدهش (أود) لذلك وتصارحه بأنه جد مخطئ إذ يفكر في ذلك كله ولكنه يقول برغم هذا: - ما أسعد هؤلاء الشبان. إن الحرب لم تغير كل شيء! مهما حدث على الأرض فلا يوجد دائما إلا مصيبة واحدة. تلك هي الشيخوخة!.
ثم يعود الابن في ثياب مدنية ويخرج الأب بد أن يحاول استصحاب الفتاة معه فيرجو منه ابنه أن يتركها له قليلا. ولا يكاد العروسان يختليان حتى تلتمس منه (أود) أن يصفح عنها، فإذا سألها عن أي شيء تطلب الصفح، أجابته عن أنها استطاعت العيش بعده. ثم تقول له: - إنك تمثل لناظري كل الأمور. إنني لا أملك من حطام الدنيا إلا التفكير فيك إنه غذاء كياني ونار نفسي، وهدف عيني، وطابع صوتي، ومجرى دمي. إنه كل شيء. إنه أنا!.
ثم تذكره بمنشأ علاقتها به، وكيف أنها طالما زهت وفاخرت بمعرفته وكيف تمنت أن تكون