أجابته بعد مجهود كبير: - كنت أود أن أكون زوجتك هذه الليلة.
فيذكر لها أنه ليس من حق أحد في فرنسا أن يكون سعيداً في هذا العام، وأنه يود أن يدعو كل أصدقائه وزملائه في الجيش إلى حضور حفلة زواجه، ويشعر أنهم جميعا يشخصون اليه، ويمدون إليه أيديهم الرقيقة سواء منهم الأحياء والأموات.
هي - الأموات؟
هو - أصدقائي الذين استشهدوا والذين لو بقوا لكانوا هنا الآن. أين هم؟ إنني أدعوهم. فلو ظلوا أحياء لكانوا الآن في مراكزهم بساحة القتال. ولكنهم ماداموا قد ماتوا ففي مكنّهم الحضور! إنني أنتظرهم. سيظهرون، ليحضروا، فلن أتمتع بكل بهجتي وسروري بدونهم. إنني أناديهم.
ثم يبدأ في مناداة أصدقائه من المحاربين الأموات إلى أن يصل إلى اسم صديق تعرفه خطيبته (أود) فيذكر لها كيف أن ذلك الصديق قد سقط مضرجا بدمه في أحد الحصون وكيف أنه طلب إليه أن يرفع تمنياته الصادقة إليها وأن آخر كلماته له وهو يحتضر بين يديه: (كونا سعيدين) وتعجب (أود) بهذه العظمة التي تتجلى في شخصية خطيبها. وتشعر أن نفسها عاجزة عن مجاراته فيها فتقول له: - إنني بجانبك أحس في نشوة بعظمتك. وفي اضطراب بشقائي. . أنت توقن بأنك عظيم فيجيبها في حزم وزهو: - أجل.
- هذا ظاهر! إن هذه الروح التي لا تتجلى إلا في جبهة القتال جعلتك مختلفا عنا وأسمى منا، إننا لا نستطيع أن نفهمك.
ثم تطلب إليه أن يرفعها إلى مرتبته وأن يسمو بها إلى درجة البطولة، أن يرفعها إلى تلك السماء التي تخضبت بدم الشرف الحربي فيقول لها: - إن من يطلب ذلك بهذه اللهجة فلاشك إنه يحصل عليه.
- كلا.
- إنك أنت تلك البطلة التي ترغبين فيها.
ثم يطمئنها بعد ذلك ويخبرها أن الحرب قد وضعت أوزارها وأنها لن يندلع لهيبها بعد.