مصرعك الوحشي الغادر، لا تزال. لم يزلها أحد منذ ثلاثة أيام! وهل بقيت في أحد هنا بقية يا توت؟
الفراغ! الفراغ!
ذلك الخواء الموحش العميق المترامي الأطراف، ذلك المخلوق الكئيب الهائل.
ذلك الذي نراه على امتداد البصر وآماد الآفاق.
والصور، والرؤى، والأطياف، والأشباح!
تلك الحيات الكامنة في الضمير، تنهش القلب ويضم عليها جوانحه، وتسمم الحياة والحياة بدونها محال.
والذكريات!
أولئك اللواتي يثبن كلما سكن الحس، وساد الصمت. ولفنا الظلام: ظلام النفس أو ظلام الأرجاء.
وإنا لنهرب إلى أنفسنا - يا توت - فنلقاك هناك. ونهرب من أنفسنا فنلقاك هناك. ونهرب إلى الناس فنحدثهم عنك، وحيثما انجر حديث قفزت إليه من بعيد، واندست ذكراك في مجراه.
يا توت! لم اعترضت طريقنا. ما دمت لا تنوي إلا عمر الأزهار؟
العذاب! العذاب في هذه الحياة!
- ٣ -
أبداً لست هنا يا توت. ولو كنت هنا ونحن عائدون هكذا إلى الدار جميعاً، لما وسعتك الحديقة كلها من الفرح، ولملأتها جرياً ووثباً ومراحاً، ولجئتنا عن أيماننا وعن شمائلنا، ولأخذت علينا طريقنا وراء وقداما، ولتواثبت على صدورنا وأقدامنا كالبرق الخاطف أو القذيفة المندفعة، ولملأنا الدار حركة وضجيجاً نتابع بهما حركتك وضجيجك، ونهدئ بهما هذه الشعلة المتوقدة في جوارحك. ولكنك لست هنا يا توت.
فلنخرج صامتين لا نتلفت وراءنا لنرجعك إلى الدار فلا تتبعنا. ولندخل صامتين يجلل الأسى وجوهنا، وتغشى الكآبة نفوسنا، ولنتخاطب فيما بيننا همساً من الكمد، ولتتجاذب عيوننا وقلوبنا بالهم الذي يغمرها جميعاً.