أجل يا توت. ولتمت على شفاهنا ألفاظ قاموس كامل كان لك أنت وحدك ألفاظ التدليل والتنبيه والزجر والتخويف والنداء والاسترضاء. فقد انطوى ذلك كله، وعادت ذكراه تلذع أفئدتنا لذعة الجمر كلما هجست في الضمير.
ووددت يا توت - لو أنساك! فقد كدت أفقد كل ما يعرف عن من اتزان وتماسك؛ وتفزعت أعصابي فلست أنام، وفي جوانحي ذلك اللذع الذي لم يعد يطاق. . . ولكن لا أريد أن أنساك - يا توت - لا أريد أن أفقدك كلك. فعزيز على نفسي أن تفرغ من كل شيء حتى من لذعة ذكراك!
- ٤ -
كلنا هنا على المائدة - يا توت - فأين أنت؟
لست إلى يميني هنا باسطاً يديك على الأرض في انتظار نصيبك في النهاية، وعيناك تلتمعان بكل ما تريد أن تقول!
عيناك الذكيتان المعبرتان، لقد كانت بيننا وبينهما لغة مفهومة؛ كما كان بينك وبين أعيننا تلك اللغة المفهومة بلا أصوات!
ولكنهما أطبقتا - يا توت - وانطفأت فيهما تلك الشعلة من الذكاء الحاد، والحس المرهف، والإخلاص الودود.
أطبقتا. أطبقتا إلى الأبد. وهذه هي قسوة الموت. . . العدم. العدم المطلق. المطلق إلى غير حد. . . يا للقساوة الصماء!
وأسرع في ازدراد طعامي - يا توت - لا لأخلص لك نصيبك المعلوم، ولكن لأهرب من الخيال المفزع.
لا. لا. لا طاقة لي بهذا العذاب الدائم المتكرر في كل موضع قدم في هذه الدار.
في كل لفتة ذكرى، وفي كل خطوة صورة، وفي كل خطوة عذاب. عذاب قاس ممزق لذاع.
ولكنني أهرب إلى الخارج، فتصاحبني في كل موضع قدم، وفي كل خطرة فكر، وفي كل لفتة بال.
يا توت. يا توت. لم - يا بني! - ألست بنا في الطريق؟! يا رب. يا رب: رحمتك يا الله!