الاحترام إذ إنه يريد ألا يسترق الناس أحد من الناس، ولا يرضي أن يهدد بني البشر أمثالهم، ولم يتردد في إشعال الحرب لإعتاق الرقيق. وكان يبذل جهده لتحرير الرقيق من جهة، ويحث الناس على الهجرة من جهة أخرى، حيث دعاهم بأن يتقدموا نحو غرب أمريكا متحدين، ليفتحوا كنوز طبيعتها البكر، وهكذا مهد الطريق إلى رقى أمريكا بيديه.
إن إسلوب (لنكولن) العظيم، هو هدم الحدود بين البشر لقهر الطبيعة، أو بتعبير آخر أن يتعدى الناس الحدود الضيقة الشخصية في معاملة بعضهم لبعض، ثم حثهم على الكفاح والجهاد لاقتطاف الثمرات الطبيعية للحياة، وهو أسلوب أشبه ما يمكن بأسلوب المخترعين والمكتشفين، بل إنهم من منع واحد.
وبمناسبة ذكر الكفاح والحياة المثالية الطبيعية، أذكر ما أملاه على ركوب البحر من أفكار، ذلك أنن كنت غارقاً في أعمال إدارة جريدتي، في ربيع سنة ١٥ للجمهورية الصينية، إذ كنت في منصب رئيس التحرير والمدير العام، وكان هدف الإدارة من نواحي العمل والنظم والمقالات كخيط مستقيم، إذ نبهت أبناء وطني للثورة على الضباط الشريرين الذين يضرون الوطن ويزعجون الشعوب. ثم تركت إدارة جريدتي مضطراً، وفررت راكباً من (تيني جيي) إلى شنغ هاي، حين وصل (تشويي يو) و (لأي جنمغ لين) إلى (تين جين) مع قواتهما. ولما خرجت الباخرة من ميناء (تان قو)، لم أر في الدنيا إلا الماء العميق والسماء المرتفعة والتقاءهما عند الأفق، وسارت الباخرة في البحر الواسع رويداً رويداً كمغرفة القرع، وحينئذ شعرت فجأة بسعة الدنيا وصغر البشر، وفكرت في الذين لا يزالون يتنافسون ويتنازعون ويتحاربون في (تين جين)، مثلهم كمثل عرمة الديدان، لو أن تلك الجملة من الناس ألقيت في البحر، لم يبد شيء إلا الزبد والرغوة فحسب. وعندئذ اعتقدت كل الاعتقاد أن مستقبل الإنسان لن يكون فسيحاً متسعاً، إلا بعد أن يبتعد الناس عن نطاق المتاع الشخصي الضيق، ويبذلوا أقصى جهدهم في سلوك طريق الطبيعة العظيمة الأبدية.
ما أشد ما يعلق مستقبل الإنسان بآثار الحرب الحاضرة! فإن من حسن الحظ أن قام الأمريكيون يساعدون إنجلترا بقانون الإعارة والتأجير، ثم يساعدون روسيا والصين أيضاً حتى حولوا موقف دول الحلفاء من الهزيمة إلى النصر، وكان سبباً في هزيمة المحور، وأصبح العالم كله يحلم بمستقبل منير.