للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجنوب (السودان)، كما قام الشمال من أمريكا لضم الجنوب إليه، وكما قام جزء من بريطانيا نفسها ليضم إليه بلاد الغال وأرض أسكتلندة. ولو بقي شمال أمريكا منفصلاً عن جنوبه، وبقيت بلاد الغال وبلاد أسكتلندة على أحوالها التي كانت عليها منذ قرون، لما كان في الدنيا شيء يسمى الولايات المتحدة، ولا شيء يسمى بريطانيا، وإذن فضم السودان إلى مصر بالحرب لا يمكن أن يسمى (فتحاً) بل هو ضم فحسب فلذلك يخطئ بعض الساسة الذين يحتجون في المسألة المصرية السودانية بهذا الشيء السخيف الذي يسمونه (حق الفتح). وكل ما هنالك هو أن هذا الجزء المتروك من أرض مصر أو أرض السودان - كما تشاء - كان لابد في ضمه من بعض الحرب حتى تستقر الحال ويستتب النظام، كما حدث في كل بلاد العالم منذ أقدم عصور التاريخ، في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وهذا شيء بديهي لا يحتاج إلى زيادة.

ويتبع هذا الخطأ في الاحتجاج بحق الفتح خطأ آخر أقبح منه، وهو احتجاج من , بما أنفقت الأرض الشمالية على الأرض الجنوبية من الأموال، وهذا أيضاً فاسد كل الفساد. فكل داق أنفقته مصر في السودان هو حق السودان على مصر، كحق أي قرية في أرض مصر، وكحق كل شارع أو مديرية. فينبغي إذن أن ننفي من احتجاجنا كل شيء يسمى نفقات أنفقت في السودام، فإن كل ذلك هو حق السودان الذي إذا قصرنا في أدائه وجب عليه أن يطالبنا به بالكلام أو بالسيف أو بكليهما. ومن المؤلم أن يكون هذا الأسلوب الذي جرى ولا يزال يجري على ألسنة بعض الساسة، هو خديعة بريطانية قديمة لم نزل ننزلق في مداحضها ونزل، حتى كادت تكون نكبة عقلية ألمت بهؤلاء الساسة.

فلابد إذن من وضع هذه الحجج حيث ينبغي أن توضع في زوايا الإهمال، وأن ينظر الساسة إلى الحق الطبيعي الذي يجب لمصر على السودان، والذي يجب للسودان على مصر، وأنا أقدم فأقول إن حق السودان على مصر هو الأصل، وهو الحق الأعظم، وهو الحق الذي لا يمكن مصر مهما بلغت من قوة ومجد وحضارة أن تتنصَل أو تتبرأ، فإذا فعلت، فذاك هلاكها وضياعها في هذا العصر وإلى الأبد البعيد.

إن السودان كما كان قديماً، وكما هو الآن، هو حياة الأرض التي تسمى باسم (مصر)، فزراعتها وتجارتها ومالها وأهلها وتاريخها وحضارتها، كل ذلك فضل أتى به النيل. والنيل

<<  <  ج:
ص:  >  >>