شطر لا بقاء له وحده وهو مصر؛ وشطر هو القوى الكامنة التي تعطي البقاء للشطر الأول، وذلك هو السودان. والشطر الأول منهما (مصر) هو الذي مهد الله له سبيل القوة والتاريخ والعلم فكان في الوجود أسبق الشطرين إلى قيام الدولة فيه، والشطر الآخر باقٍ ساكن قار. . . شيخ وقور رزين لا يفارق خلوته إلا بسبب من العطايا والمنح التي يرسلها إرسالا إلى الشطر الأول ليحيى ويقوى ويكون سلطاناً في أرضه، وتاريخاً في الزمن، وحضارة في العالم، ولكن الشيخ هو سر السلطان والتاريخ والحضارة - هو السودان. وذلك حسبه.
وقد كتب الله لمصر أن تكون كما هي الآن، وأن تكون دولة في الدول لها سلطان ظاهر ولها عمل في بعض السياسة، ولها آمال في تحرير نفسها وتحرير العرب وتحرير الشرق من بغاة الاستعمار في أوربا وأمريكا وروسيا، فكيف يجوز في عقل عاقل أن تدع أباها الذي يمدها بكل هذه القوة ينخزل عنها وينفصل ليقع في يد الدولة المستعمرة المعروفة الناس باسم بريطانيا؟ إن مصر هي السودان، ولا مصر بلا السودان، وإذا كانت إنجلترا نفسها تدعي أن الهند لازمة لها، وقناة السويس لازمة لها، وكذلك روسيا فيما تدعيه، وكذلك أمريكا في دعوى مصالحها في الأرض والبحر والجو، فكيف يجوز في عقل عاقل أن يراد لدولة ترجو أن تكون دولة في هذه الدنيا العريضة المتراحبة، وهي ليست إلا خطاً محروماً حظَّ الحياة وأسباب البقاء بانفصال السودان المفضل المتكرم عليها بأسباب القوة التي تمكنها من أن تكون دولة؟
إن واجبنا اليوم هو أن نموت في سبيل السودان، لأن السودان هو حياتنا، ونحن بضعة منه، فدفاعنا عنه وموتنا في سبيله هو دفاع الولد البار عن أبيه، والذي لا حياة له ولا عز ولا مجد إلا بحياته وعزه ومجده. نحن لا نريد سيادة على السودان بهاذ المعنى العامي الجلف، فإن السودان هو سيد هذا الوادي، ولكننا نريد أن تبقى مصر حية قوية في كنف السودان أبينا ومادة حياتنا. إننا لن نفرط ساعة في السودان لأن الدولة المصرية ليست شيئاً، ولن تكون شيئاً في هذا الوجود إلا بالسودان. ولو أنصف القدر وأنصف الناس، لكان ينبغي أن تسمى (الدولة المصرية) الدولة السودانية. أما بريطانيا فهي تريد السودان، لأنها تدرك هذا كله حق الإدراك وتعلم أنها إذا بقيت في السودان، تحكمت في حياة مصر كلها،