للميلاد بين المسلمين كثير من القصص البحرية، ويعود ذلك على توسع الحركة التجارية في خليج البصرة، وبين سواحل البلاد العربية، وسواحل الهند والصين وإفريقية الشرقية، وقد تفرعت منها قصص عديدة، منها ما دون في الكتب ومنها ما ذكر عرضاً بصورة مختصرة أو مبتورة. ومن هذه القصص قصة البحث عن الخضر، وقصة رحلات السندباد البحري وقصة الجزيرة الخضراء وقصص الحيتان.
وقد قارن المستشرق الهولندي (دي كويه) بين قصة (سانت برندن)، وهي من القصص الايرلندية وبين رحلة السندباد البحري، وبعض قصص بحرية ذكرها الشريف الإدريسي، وقصة (بولوقيا)
اختار (سانت برندن) الذهاب إلى قلعة نائية لم تكن مأهولة في جزيرة لم تعرف إنساناً من قبل، ولشد ما تملكه العجب حينما وجد مائدة غنية بأنواع الأطعمة والأشربة فأكل منها وشبع وأطعم أصحابه ولم يؤثر ما أكلوه على كمية الطعام.
وفي قصة (بلوقيا) التي رواها (عبد الله بن سلام) وهو يهودي اعتنق الإسلام تشابه مع قصة (سانت برندن)، فبلوقيا وهو حبر يهودي، وكان والده (أوشيا) من أحبار اليهود وإعيائهم أراد البحث عن (محمد) وأمته، فطاف بلاد الشام حتى بلغ جزيرة من جزائر البحر، فإذا هو بحيات كأمثال الإبل عظما كلمهن ثم مر بشجر كثير وبعالم غريب يشبه ذلك العالم الذي مر به ذلك الراهب.
وقصة (بلوقيا) هذه التي قصها الثعالبي استناداً على رواية (أبي بكر بن عبد الله الحزدقي) بإسناده عن عبد الله بن سلام هي قصة، وإن كانت مطبعة بطابع إسلامي إلا أنها من القصص الإسرائيلية البحت. ولأبن سلام قصص أخرى تحمل نفس الطابع، ويحشره العلماء وأصحاب الحديث لهذا السبب في تلك المجموعة التي اشتغلت في إدخال (الإسرائيليات) إلى المسلمين بصورة حديث عن الرسول أو موعظة من المواعظ.
ووجد هذا الراهب في جزيرة من الجزر أشجاراً فاقتطع من أغصانها مقداراً وأوقد ناراً ليصنع طعاماً، فلما تأججت النار تحركت تلك الجزيرة العظيمة وأخذت تموج، فرمى الراهب وأصدقاؤه بأنفسهم في اليم طلبا للنجاة؛ إذ لم تكن تلك الجزيرة سوى سمكة عظيمة من نوع الحيتان البحرية.