وهل تحيا الألفاظ مع الموت، فيكون بعده للمال معنى وللتراب معنى؟. . . هي كذلك في الحب الذي يفعل شبيهاً بما يفعله الموت في نقله الحياة إلى عالم آخر، بيد أن أحد العالَمين وراء الدنيا، والآخر وراء النفس.
تحت يد الأخت الممدودة ينام الطفل المسكين، ومن شعوره بهذه اليد خفّ ثقل الدنيا على قلبه.
لم يبال أن نبذه العالم كله، مادام يجد في أخته عالم قلبه الصغير. وكأنه فرخ من فراخ الطير في عشه المعلق، وقد جمع لحمه الغض الأحمر تحت جناح أمه، فأحس أهنأ السعادة حين ضيّق في نفسه الكون العظيم وجعله وجوداً من الريش.
وكذلك يسعد كل من يملك قوة تغيير الحقائق وتبديلها، وفي هذا تفعل الطفولة في نشأة عمرها ما لا تفعل بعضه معجزات الفلسفة العليا في جملة أعمار الفلاسفة.
وما صنع الذين جنّوا بالذهب، ولا الذين فتنوا بالسلطة، ولا الذين هلكوا بالحب، ولا الذين تحطموا بالشهوات - إلا أنهم حاولوا عبثاً أن يرْشوا رحمة الله لتعطيهم في الذهب والسلطة والحب والشهوات ما نوّلته هذا الطفل المسكين النائم في أشعة الكواكب تحت ذراع كوكب روحه الأرضي.
ألا إن أعظم الملوك لن يستطيع بكل ملكه أن يشتري الطريقة الهنيئة التي ينبض بها الساعة قلب هذا الطفل.
وقفت أشهد الطفلين وأنا مستيقن أن حولهما ملائكة تصعد وملائكة تنزل، وقلت هذا موضع من مواضع الرحمة، فإن الله مع المنكسرة قلوبهم، ولعلي أن أتعرض لنفحة من نفحاتها، ولعل ملكاً كريماً يقول: وهذا بائس آخر. فيرفّني بجناحه رفّة ما أحوج نفسي إليها، تجد بها في الأرض لمسة من ذلك النور المتلألئ فوق الشمس والقمر.
وظهر لي بناء (البنك) في ظلمة الليل من مرأى الغلامين - أسود كالحاً، كأنه سجن أقفل على شيطان يمسكه إلى الصبح، ثم يفتح له لينطلق معمّراً، أي مخرباً. . . أو هو جسم جبار كفر بالله وبالإنسانية ولم يؤمن إلا بنفسه وحظوظ نفسه فمسخه الله بناءً، وأحاطه من هذا الظلام الأسود بمعاني آثامه وكفره.
يا عجباً! بطنان جائعان في أطمار بالية يبيتان على الطّوى والهمّ، ثم لا يكون وسادهما إلا