عتبة البنك! ترى من الذي لعن (البنك) بهذه اللعنة الحية؟ ومن الذي وضع هذين القلبين الفارغين موضعهما ذلك ليثبت للناس أن ليس البنك خزائن حديدية يملؤها الذهب، ولكنه خزائن قلبية يملؤها الحب. .؟
وقفت أرى الطفلين رؤية فكر ورؤية شعر معاً، فإذا الفكر والشعر يمتدان بيني وبين أحلامهما، ودخلت في نفسين مضّهما الهم واشتد عليهما الفقر، وما من شئ في الحياة إلا كادّهما وعاسرهما؛ ونمت نومتي الشعرية. . .
قال الطفل لأخته: هلمي فلنذهب من هنا فنقف على باب (السيما) نتفرج مما بنا، فنرى أولاد الأغنياء الذين لهم أب وأم.
انظري هاهم أولاء يُرى عليهم أثر الغنى، وتعرف فيهم روح النعمة؛ وقد شبعوا. . . إنهم يلبسون لحماً على عظامهم، أما نحن فنلبس على عظامنا جلداً كجلد الحذاء؛ إنهم أولاد أهليهم، أما نحن فأولاد الأرض؛ هم أطفال، ونحن حطب إنساني يابس؛ يعيشون في الحياة ثم يموتون، أما نحن فعيشنا هو سكرات الموت، إلى أن نموت؛ لهم عيش وموت، ولنا الموت مكرراً.
ويلي على ذلك الطفل الأبيض السمين، الحسن البزّة، الأنيق الشارة، ذاك الذي يأكل الحلوى أكل لص قد سرق طعاماً فأسرع يحدر في جوفه ما سرق؛ هو الغنى الذي جعله يبتلع بهذه الشراهة كأنما يشرب ما يأكل، أو له حلق غير الحلوق، ونحن - إذا أكلنا - نغصّ بالخبز لا أُدْمَ معه، وإذا ارتفعنا عن هذه الحالة لم نجد إلا البشيع من الطعام وأصبناه عِفناً أو فاسداً لا يسوغ في الحلق، فإذا انخفضنا فليس إلا ما نتقمم من قشور الأرض ومن حُتات الخبز كالدواب والكلاب؛ وإن لم نجد ومسّنا العُدم وقفنا نتحيّن طعام قوم في دار أو نُزُل فنراهم يأكلون فنأكل معهم بأعيننا، ولا نطمع أن نستطعمهم وإلا أطعمونا ضرباً فنكون قد جئناهم بألم واحد فردّونا بألمين، ونفقد بالضرب ما كان يمسك رمقنا من الاحتمال والصبر.
هؤلاء الأطفال يتضورون شهوة كلما أكلوا فيعودوا ليأكلوا، ونحن نتضور جوعاً ولا نأكل، لنعود فنجوع ولا نأكل، وهم بين سمع أهليهم وبصرهم؛ ما من أنّة إلا وقعت في قلب، وما من كلمة إلا وجدت إجابة؛ ونحن بين سمع الشوارع وبصرها، أنين ضائع، ودموع غير مرحومة!