آه لو كبرت فصرت رجلاً طويلاً عريضاً! أتدرين ماذا أصنع؟
- ماذا تصنع يا احمد؟
- إنني أخنق بيديّ كل هؤلاء الأطفال!
- سَوأة لك يا احمد، كل طفل من هؤلاء له أم مثل أمنا التي ماتت، وله أخت مثلي؛ فما عسى ينزل بي لو ثكلتك إذا خنقك رجل طويل عريض؟
- لا، لا أخنقهم؛ بل سأرضيهم من نفسي؛ أنا أريد أن أصير رجلاً مثل (المدير) الذي رأيناه في سيارته اليوم على حال من السطوة تعلن أنه مدير. . . أتدرين ماذا أصنع؟
- ماذا تصنع يا احمد؟
- أرأيت عربة الإسعاف التي جاءت عند الظهر فانقلبت نعشاً للرجل الهرم المحطم الذي أغمي عليه في الطريق.؟ سمعتهم يقولون: إن المدير هو الذي أمر باتخاذ هذه العربة، ولكنه رجل غُفل لم يتعلم من الحياة مثلنا، ولم تحكِمه تجارب الدنيا فالذي يموت بالفجاءة أو غيرها لا يحييه المدير ولا غير المدير، والذي يقع في الطريق يجد من الناس من يبتدرونه لنجدته وإسعافه بقلوب إنسانية رحيمة، لا بقلب سواق عربة ينتظر المصيبة على إنها رزق وعيش.
إن عربات الإسعاف هذه يجب أن يكون فيها أكل. . ويجب أن تحمل أمثالنا من الطرق والشوارع إلى البيوت والمدارس؛ وإن لم يكن للطفل أم تطعمه وتؤويه فلتصنع له أم.
كل شئ أراه لا أراه إلا على الغلط، كأن الدنيا منقلبة أو مدبرة أدبارها، وما قطّ رأيت الأمور في بلادنا جارية على مجاريها؛ فهؤلاء الحكام لا ينبغي أن يكونوا إلا من أولاد صالحي الفقراء، ليحكموا بقانون الفقر والرحمة، لا بقانون الغنى والقسوة، وليتقحموا الأمور العظيمة المشتبهة بنفوس عظيمة صريحة قد نبتت على صلابة وبأس، وخلق ودين ورحمة؛ فإنه لا ينهزم في معركة الحوادث إلا روح النعمة في أهل النعمة، وأخلاق اللين في أهل اللين؛ وبهؤلاء لم يبرح الشرق من هزيمة سياسية في كل حادثة سياسية.
إن للحكم لحماً ودماً هو لحم الحاكم ودمه؛ فإن كان صلباً خشناً فيه روح الأرض وروح السماء فذاك، وإلا قتل اللين والترف الحكم والحاكم جميعاً. وهؤلاء الحكام من أولاد الأغنياء لا يكون لهم هم إلا أن يرفعوا من شأن أنفسهم، إذ السلطة درجة فوق الغنى، ومن