للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نال هذه استشرف لتلك، فإذا جمعوهما كان منهما الخلق الظالم الذي يصور لهم الاعتداء قوة وسطوة وعلوّاً، من حيث عدموا الخلق الرحيم الذي يصور لهم هذه القوة ضعفاً وجبناً ونذالة. إن أحدهم إذا حكم وتسلط أراد أن يضرب، ثم لم تكن ضربته الأولى إلا في المبدأ الاجتماعي للأمة، أو في الأصل الأدبي للإنسانية. ويحرصون على ما به تمامهم، أي على السلطة، أي على الحكم؛ فيحملهم ذلك على أن يتكلفوا للحرص أخلاقه، وأن يجمعوا في أنفسهم أسبابه؛ من المداراة والمصانعة والمهاونة، نازلاً فنازلاً إلى درك بعيد، فينشرون أسوأ الأخلاق بقوة القانون ماداموا هم القوة.

- وماذا تريد أن يصنع أولاد الأغنياء يا احمد؟

- أما أولاد الأغنياء فيجب أن يباشروا الصناعة والتجارة ليجدوا عملاً شريفاً يصيبون منه رزقهم بأيديهم لا بأيدي آبائهم، فإنه والله لولا العمى الاجتماعي لما كان فرق بين ابن أمير متبطّل في أملاك أبيه من القصور والضياع وابن فقير متبطل في أملاك المجلس البلدي من الأزقة والشوارع. . .

وابن الأمير إذا كان نجاراً أو حداداً أصلح السوق والشارع بأخلاقه الطيبة اللينة، وتعففه وكرمه، فيتعلم سواد الناس منه الأمانة والصدق، إذ هو لا يكذب ولا يسرق مادام فوق الاضطرار، ولا كذلك ابن الفقير الذي يضطره العيش أن يكون تاجراً أو صانعاً فتكون حرفته التجارة، وهي السرقة، أو الصناعة وهي الغش، ويكون في الناس أكثر عمره مادة كذب وإثم ولصوصية.

آه لو صرت مديراً! أتدرين ماذا أصنع؟

- ماذا تصنع يا احمد؟

- أعمد إلى الأغنياء فأردهم بالقوة إلى الإنسانية، وأحملهم عليها حملاً، وأصلح فيهم صفاتها التي أفسدها الترف واللين والنعمة، ثم أصلح ما أخل به الفقر من صفات الإنسانية بالفقراء، وأحملهم على ذلك حملاً، فيستوي هؤلاء وهؤلاء، ويتقاربون على أصل في الدم إن لم يلده آباؤهم ولده القانون. ألا إن سقوط أمتنا هذه لم يأت إلا من تعادي الصفات الإنسانية في أفرادها، فتقطّع ما بينهم، فهم أعداء في وطنهم، وإن كان اسمهم أهل وطنهم.

ومتى أحكمت الصفات الإنسانية في الأمة كلها ودانى بعضها بعضاً - صار قانون كل فرد

<<  <  ج:
ص:  >  >>