رسمها في صورة رسام أكثر مما تراه في أبيات شاعر أو أنغام موسيقى.
وكان لي أصدقاء من الموسيقيين والشعراء والرسامين فعرفتها بهم وأنا فخور، ولكن الغرور قرين الرعونة كما يقولون. . .
وكانت في أول أيام تعارفنا لا تعرف غير الأناشيد القديمة تعلمتها من روايات سخيفة فتنشدها بصوتها الهادئ الحزين فتخرج على تفاهتها حاملة للسامع كل معاني الحزن والألم، فأخذت بعد حين تحدثني عن أحدث الأناشيد وتنشد ما لم أكن قد سمعته، وأصبح صوتها شيئاً آخر غير ذلك الصوت الهادئ الحزين. وقد راعني هاذ منها ولكني لم اسألها عمن علمها هذا الغناء الجديد.
وسارت إنجيل على هذا المنوال فأصبحت تقرأ أحدث الروايات وولعت ببعض الكتاب دون أن أدلها عليهم، فأخذت أتلمس فيها تغيراً ورقياً كنت أعزوهما لتأثيري عليها فأزداد تيهاً.
ثم أصبحت تتغيب عن مواعيدي كثيراً. ولقد طالما انتظرتها حتى إذا ما دنت ساعة اللقاء جاءني منها كتابها الأزرق الصغير الذي أعرف خطها في عنوانه فأفتحه بقلب واجف وأقرأ ما فيه بهلع لأنتهي منه فأعرف ما كنت أخشاه، وهو أني حرمت متعتي في ذلك المساء فتنتابني الهموم وتساورني الشكوك فأسأل نفسي أين هي الآن؟ وماذا تعمل؟ وأكثر من هذه الأسئلة التي طالما رددها المحبون المظلومون وسألوا فيها عن أحبابهم الغائبين. وأعود إلى غرفتي فأجلس في مقعدها الوحيد ثم أحذ كتاباً فأحاول أن أقرأ فيه ولكن الأفكار تساورني من جديد فأسأل نفسي أين هي الآن؟ وماذا تعمل؟
ولقد ولعت من أيام الدراسة بالفريد دي موسيه فحفظت له (الليالي) عن ظهر قلب، وعودت قلبي على احتمال الآلام فكنت أذكر لقاءنا الأول وأيام حبنا الأولى فتأخذني الأفكار وتمر الساعات وتكون الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وهكذا أقضي ليلة الفرح المنتظر في ترح وشجون وأبيت حليف الآلام والهموم.
وكان لي صديق ظريف كنت أتحدث إليه ذات يوم عن الحب والنساء فبادرني بهذا السؤال: