دار الآثار أو دار الفنون الموسيقية رأى وسمع كلما يرى بالعيون ويسمع بالآذان. ولم يجد في ما رآه أو سمعه مدعاة للسرور أو مدعاة إلى تكرار الزيارة باختياره.
ولكن إذا ملك من أدوات النفس فوق حاستي البصر والسمع - وهي حاسة الذوق - عرف مواضع الفرح فيما رآه وسمعه. ونظر في دار الآثار إلى جمال الصناعة ودلالة المعاني التاريخية الخالدة، وسمع في دار الفنون الموسيقية آيات التعبير المنسق وأسرار العاطفة الخفية التي تترجم عن نفسها بلغة الألحان.
كل إنسان يستطيع أن يخسر في الحياة، لأن الخسارة فيها مضمونة للعاجز الذي لا يحسن الفهم ولا يحسن العمل. فكل عاجز (قادر) على أن يأخذ نصيبه من خسائر الحياة بغير عناء، وقادر على أن يأخذ الألم مع الخسارة، لأنه يأتي معها بغير دعوة!
ولكن القدرة على الانتصار في الحياة لا تشيع بين الناس شيوع العجز والقصور.
نعم إن القادرين قد يخسرون والعاجزين قد يكسبون. ولكن هذا لا ينفي الحقيقة التي يعرفها القادرون والعاجزون وهي أن القدرة اندر من العجز وأن أدوات العجز ميسرة للأكثرين وأدوات القدرة لا تتيسر لغير القليل.
كل إنسان يستطيع أن يجد في تمثال المرمر وسيلة إلى الألم، لأنه يحصل على الألم بصدمة في الرأس، والقدم. ولكنه لا يحصل على السرور الذي يوحي به التمثيل إلا إذا أدرك محاسن الفنون وعرف صاحب التمثال وما عمله في حياته وما استحق به هذا التخليد بين قومه وقادري فضله وجهاده.
ولا يعنينا هنا أن تكون الأفراح في الحياة اكثر من الآلام أو تكون الآلام اكثر من الأفراح.
وإنما يعنينا أن أدوات الألم ميسرة للأكثرين، وأن الأفراح التي تحتاج إلى فهم غير فهم الظواهر حقيقة مقررة لا يدركها غير القليل.
وصحيح أن النفس إذا ارتفعت شعرت بآلام لا تشعر بها النفوس الوضيعة وأدركت مواطن للشر لا تدركها الطبائع المغلغلة والضمائر العمياء؛ ولكن هذا لا يغير الحقيقة التي أسلفناها! وهي أن الألم في جملته لا يحتاج إلى أدوات نادرة بين الأحياء، وأن كثيراً من المخلوقات تستطيع أن تتألم وهي في المرتبة الدنيا من مراتب الحياة، ولا تستطيع أن تفرح إلا إذا توافرت لها صفة (وجوبية) غير مسلوبة، وهي على الأقل صفة الصحة واعتدال المزاج.