وهولندا وايطاليا، ثم استعادوا بورما والملايا، واكتسحوا قطعان الذئاب الفاشستية يردونها إلى عقر أوكارهم، حتى قضوا عليها. وهم اليوم يتحكمون في ديارها. إن قدموا الخير فبشعور إنساني كريم وإن اعملوا الشر فبروح انتقام مفهوم، عادل أو غير عادل تبعاً لمزاج من يريد ان يبدي حكماً).
. . . (والصورة التي انطبعت في رأسي لبريطانيا بعد إقامتي القصيرة في لوندرة. هي صورة شعب عامل مجد، محب للنظام والعدالة، يحترم حكومته لأنه اختارها، ويتبرم بها تبرم الأخ لأخيه يوماً أو بعض يوم. صورة شعب أمين في معاملاته، منطقي في عمله، دون أن يكون للمنطق حساب في تفكيره، يتولاه القلق على معاشه ومستقبله في العالم، مع تمسكه بالقيم الروحية المطلقة التي تترجم بالعلم والفن والأدب، والقيم الروحية في السياسة التي تترجم بالنظر إلى العالم نظرة الشعب المسؤول عن الخير العام للبشرية. وهذه في رأيي مقومات الحضارة في شعب كبير وأمة عظمى). ثم يقول عن فرنسا:
(لحظة اللقاء، لمست أقدامي أرض فرنسا بعد طول الغياب، (أمنا فرنسا)، كما يقول أهل لبنان، ومربيتنا باريس. لن أنساك يا فرنسا قبل أن أنسى نفسي. تقطع يداي قبل أن يغدر بك ربيبك يا باريس!).
كاتب هذه الفقرات مصري شرقي وهو رجل اعرفه، وبيني وبينه مودة، ولكن مودات الأرض كلها لا تخدر ضميري وأنا اقرأ له هذه السطور!
هذا الرجل مصري شرقي، يرى كيف تعامل إنجلترا بلاده، وكيف تعامل فرنسا أمم الشمال الأفريقي، ويعرف كيف تصنع إنجلترا في الهند، وكيف تصنع فرنسا في الهند الصينية. . . ثم يكتب كل هذا (الغزل) في الدوليتين الاستعماريتين اللتين تدوسان قومه وأقرباءه بالأقدام!
وأعجب شئ انه كان (فخوراً بإنسانيته) في لوندرة! أية إنسانية تلك التي ترى الاستعمار ينتهك كل حرمات الإنسانية، ويمتص دماء المستعمرات، ويذل أهلها ويسلب أقواتهم وارزاقهم، ويبقيهم في ربقة الجهل والتأخر والتوحش أحياناً حتى لا يفقد قدرته على استغلالهم. ثم لا تغضب، ولا تتألم، ولا تثور؟
فخور بإنسانيته. لأن الإنجليز يسلبون بلاده إنسانيتها. يفقرونها إلى حد أن يعيش الفلاح في