فاعبده كأنك تراه. هو الخالق الباري المصور، أعطاك البصر فلا تنظر به إلى عورة، والسمع فلا تلقه إلى سوء ن واللسان فلا تحركه بمحرم، واليد فلا تستعملها في عدوان، والرجل فلا تمشي بها إلى ظلم والبطن فلا تدخل فيه إلا حلالاً، وأنت منه واليه لا مخرج لك عن ملكه. وهو المحيي المميت، منحك الحياة فلا تنفق دقيقة منها فيما يكره، وكتب عليك الموت فاذكره أبداً وتهيأ له ولا تنس انه ملاقيك!
لقد كانوا أذكياء ففهموا معناها وكانوا أشرافاً فلم يحبوا أن يقولوا بأفواههم، ما لا يحققونه بأفعالهم، ولذلك استسهلوا القتل واليتم والثكل على النطق بها، ثم لما أعدهم الله لها، وكتب السعادة لهم فقالوها، صاروا بها سادة الدنيا وخلاصة الإنسانية، وملائكة البشر.
ونحن يا سيدي يا رسول الله، نحن نقولها كل يوم على منائرنا ومنابرنا، وفي أسواقنا وفي منازلنا، وعند دهشتنا ومسرتنا، لا نرى كلمة أخف منها على اللسان، ولكنها لا تجاوز ألسنتنا، ولا تبلغ أفئدتنا، ولا يكون لها اثر في حياتنا، فهل نحن مسلمون!
وجئتهم بالقرآن فحاربوه، ومنعوا القارئين ان يتلوه، وفروا منه حتى لا يسمعوه، ولكنهم كانوا إذا وقعت إلى أحدهم الآيات منه، بدلته تبديلا وجعلته رجلاً آخر: اقبل عمر الغليظ الجافي عدو الإسلام الألد، ليأتي الجريمة الكبرى، فسمع آيات معدودات، فإذا هو ينقلب إلى عمر المؤمن الرقيق العبقري الذي ادار وحده إحدى عشرة حكومة من حكومات هذه الأيام بسلمها وحربها، وقضائها وماليتها، وداخليتها وخارجيتها، وجليل امرها وحقيره، ما قصر في شئ منه ولا أساء فكان نادرة الزمان، وأعجوبة الفلك ونحن نسمع المرتلين يتلون القرآن في كل لحظة وفي كل مكان، في الأفراح والأتراح والحفلات والاذاعات، بحلوق لعلها أندى من حلق قارئ عمر، ونغمات أحلى، وأصوات اشجى، ومعرفة بالتجويد وضبط للمخارج والأداء، وبصر بالألحان، ولكنها لا تصنع بنا ما صنعت بعمر، ما نجد لها إلا الاهتزاز والطرب كما نهتز لكل أغنية حلوة تسمعها آذاننا، ونطرب لكل صوت شجي تعيه أسماعنا، ثم نقوم عنها فنمضي في الحياة حيث توجهنا عقولنا واهوائنا، فهل نحن مسلمون؟
ودعوتهم إلى الإيمان، فآمنوا بالله إيمان مراقبة وخشية وتقى، واستحيوا منه ان يراهم عاصين مخالفين، واستقاموا على الطريقة، وجعلوا أهوائهم تبعاً لما جئتهم به، فإذا غلبتهم نفوسهم فألموا بذنب، ومن هو الذي لا يذنب! تابوا إلى الله وانابوا، ولم يصروا ويستمروا.