للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

البلاد، ويتجر فيجمع المال، ويكسب من حجه الذكر والجاه ما طهر الحج قلبه، ولا غسل ذنبه، ولا أرضى ربه.

وتركتنا على بيضاء نقية ليلها كنهارها، حلالها بين وحرامها بين، وقلت لنا ان لكل ملك حمى، وان حمى الله محارمه، ونهيتنا ان تحوم حول الحمى لئلا نقع فيه، فتعدينا حدود الله ودخلنا حماه، وأتينا المعاصي جهاراً ونهاراً، لا تخشى عاراً، ولا نخاف ناراً، ولا رباً جباراً، بلغتنا قانون الله الذي أنزله لنحكم به، وسقت إلينا اشد الوعيد، وابلغ التهديد، ان نحن لم نحكم به، فتركناه وحكمنا بقانون فرنسة، فهل نحن مسلمون؟!

يا سيدي يا رسول الله صلى الله وسلم عليك.

لقد كان معك أربعون تخفيهم دار الأرقم في اصل الصفا، فأظهرهم الحق حتى فتحوا المشرق والمغرب، وكان لك منبر واحد، درجات من الخشب لا مزخرفات ولا منقوشات، فاسمعت منه الدنيا كلها صوت الحق، دعوتها فلبت، وأمرتها فأطاعت، ولنا اليوم مائة ألف منبر، فبها النقش البارع والزخرف الرائع يعلوها الخطباء فينادون (يا أيها الناس اتقوا الله). فلا يتقي احد، لأن الخطيب ما قال إلا بلسانه، والمصلي ما استمع إلا بأذنه قد فسد العلماء فهم يعلمون ولا يعملون، ويزهدون من الدنيا ولا يزهدون، ويقولون (الساكت عن الحق شيطن اخرس). ويسكتون، ويتلون (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) ويذلون للوزراء والأغنياء والسلاطين. فسد العلماء ففسد الناس فمن أين ينتقى الصلاح؟

فنحن اليوم أربعمائة ألف ألف، امرنا بالجهاد لنفتح الدنيا فقعدنا حتى فتح العدو أرضنا وملك ديارنا، وحكم رقابنا، ولا نزال قاعدين نلهو ونلعب، نعينه على أنفسنا، ونهدم معه دورنا وديننا بأيدينا، وننظر ما لم يأتنا هو به من شروره، فنأخذه نحن بأنفسنا: أخذنا قوانينا وتركنا لها قرآننا، وعاداته وتركنا لها اخلاقنا، وفسوقه فأضعنا فيه أعراضنا.

وقد غدونا دولاً وحكومات وأحزاباً وجماعات، وما المسلمون إلا اخوة في أسرة واحدة، وما هم إلا أحجار البناء المرصوص يشد بعضه بعضا.

ولكنا لم ننس ان نحتفل بمولدك، وان ننصب الأعلام، ونذيع الانغام، ونجتمع على الخطب والكلام، والشراب والطعام، فهل يكفر هذا ما اذنبنا؟ هل يعجبك يا رسول الله ما فعلنا؟ هل يرضى به ربك عنا؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>