وتعاونت على نقشها وتصويرها البراعة والخيال. . . ها هنا صور تمثل الطبيعة بزهرها ونَوْرها، وخضرتها ونضرتها، وأنهارها وعينها، ونبتها ودوحها، ومائها وسمائها. . . وهناك صور تمثل الطبيعة كما يراها خيال العبقري، لا كما يراها الناس، فيزيد في حسنها حسناً، وفي شكولها أشكالا وضروباً. . .
وها هنا صور للحياة، تذكرنا وصف أبي نؤاس للكؤوس، تتمثل فيها الناس في جدهم ولعبهم، وفي سرورهم وكمدهم؛ وحين يريحون وحين يسرحون؛ وحين يدأبون وحين يمرحون. . ومن تماثيل ذات حسن عزيز؛ كأنما نصبت هناك لتقيم المعاذير لمن عَبَدَ الأوثان، ومجَّد الأصنام: منها القائم الناهض، والجاثم الرابض، والمتكئ والمستلقي، والساكن الهادئ، والثائر النافر. . بعضها قد ألبس ثوباً أو بعض ثوب. وبعضها عارٍ إلا من الحسن. وكلها آيات في الإبداع والابتكار.
فتباركت الأيدي القديرة، التي أحالت الطين والصلصال، إلى كل هذا الجمال والجلال!.
رأى الثور هذا كله، وما برأسه إدراك للفن أو تقدير للحسن؛ وما في غريزته فهم لهذا الجمال المتَّسِقِ المؤتلف، وهذه الصناعة الباهرة الساحرة. . .
كلا. . . بل في غريزته عنف وبطش، وتحطيم وتدمير، فأجال فيما حوله نظرة بهيم. ثم تراجع إلى الوراء قليلا، شاهراً قرنين حديديين كالفولاذ. واندفع نحو تلك التحف والطرف وصال فيها وجال. . وهي (وا أسفاه!) هَشَّة ضعيفة، سهلة المكسر، لا حول لها أمام العنف ولا قوة. فطاحت تلك الآيات إلى الثرى، وتناثرت قطعها الغالية في جوانب الدار!
وحملق الثور في التدمير الذي أحدثه، وكأنما راقه منظره. فأعاد الكرة، المرة بعد المرة.
وما هي الا دقائق معدودة، حتى لم يبق بالدار تمثال قائم، ولا إناء منصوب؛ بل استحالت جميعا إلى شظايا مبعثرة، وأجزاء متناثرة. وقد اختلط بعضها ببعض، فما تميز العين جديدها من قديمها، ولا طارفها من تليدها؛ ولا آنيةً من تمثال، ولا رأساً من جسم. . . لقد صارت جميعاً أكداساً من الخزف المحطم، ليس فيها من الجمال أثر، ولا يرى فيها شاهد على براعة الصناعة.
في بضع دقائق استطاع هذا البهيم العنيف أن يقضي على تراث القرون، وثمار القرائح، وخلاصة الفن؛ وأن يحيل هذه الدار، ولم يكن لها نظير في جمال التنسيق، إلى دار فوضى