فلا يبرحها إلا متى شاء معلمه ان يطلقه. . . وهو منذ تلك السن يكره القيود كرهاً شديداً فكيف يطيق حجرة الدراسة ويطيق ان يأتمر بما يقضي به المعلم؟ ذلك ما كان يكرب نفسه الصغيرة، بعد أن اخذ ذلك المنظر بمجاميع عينيه، فهو يطل على مسارح لعبه ومجال حريته تحت هاتيك الخمائل وفي فناء ذلك القصر.
ولكن الصبي يعود فيذكر أن لا بأس من حجرة الدراسة وما فيها؛ أو ليس معنى غدوه إليها انه يغدو كبيراً فيقرأ ويكتب كما يقرأ اخوته ويكتبون؟ فلا يدل عليه أحدهم بشيء ينقصه هو ولا حيلة له في هذا النقص، ولا يفاخره منهم أحد بكتبه ودفاتره فسوف تكون له كتب ودفاتر. وتطيب نفس الصبي بهذه الأفكار فهو يكره اشد الكره أن يتفاخر عليه أحد، أو أن يشعر أنه دون من يحيطون به. وكثيراً ما دمعت عيناه غيظاً إذ يرى لغيره من دواعي الفخر ما ليس له. وهو سريع البكاء إذا غيظ لأنه لا يحب ان يغيظ أحداً. فليقبل إذا على حجرة الدراسة في غير نكد بل ليقبل عليها في ارتياح. هكذا توحي إليه كبرياء نفسه الصغيرة، وانه منذ صغره لذو كبرياء، وان كان إذا غضب سريع البكاء.
وكان للطفل واسمه ليو، ثلاثة اخوة أكبر منه وأخت هو أكبر منها. أما أخوته فهم: نيقولا وكان يكبره بخمسة اعوام، وسيرجي وكان يكبره بعامين ونصف، وديمتري وكان يكبره بعام وأربعة اشهر، وأما أخته فهي ماريا، وكانت دونه بسنة ونصف سنة.
وكانت تعيش مع صغار الأسرة بنت ليست منها وهي بنت غير سفيحة لأحد الأصدقاء المقربين من عميدها، وكان أبناء الأسرة يحسنون معاملتها كما لو كانت أختاً لهم، وماذا تصنع غير ذلك نفوس بريئة كهاتيك النفوس التي لم تدر بعد لؤم الحياة؟. . .
هؤلاء هم أفراد الأسرة الصغار؛ فأما الكبار ففي مقدمتهم أبوه، ثم تأتي بعد أبيه العمة تاتيانا، ولم يعرف الصبي منذ بدأ إدراكه أماً له غيرها، فقد ماتت أمه كما يذكر أحياناً أخوه نيقولا في همس وحزن عقب مولد أخته الصغيرة بأيام.
وهناك جدته لأبيه وهي تعيش في هذا القصر منذ مات زوجها، ثم عمته ألين التي جاءت لتعيش في حماية أخيها بعد أن أصيب زوجها بالجنون فقد بلغ به الجنون أن أطلق الرصاص ذات يوم على صدرها. وكانت ألين هذه عمته حقاً، أم تاتيانا فكان يناديها بالعمة كما يفعل اخوته؛ ولكن نيقولا يفهمه ذات مرة أنها ليست عمتهما فهي ليست أختاً لأبيهما