الجمعة العربية أن تجعل هذه المهمة ضمن غايتها الثقافية.
مصر التي علمت العالم:
أشرنا في عدد سابق إلى وصول الأديب الفرنسي الكبير (جورج ديهاميل) إلى مصر، وقلنا أنه سيذيع في مصر عدة محاضرات ثقافية، ونقول اليوم انه ألقى فعلاً ثلاث محاضرات كلها إشادة بالثقافة الفرنسية وتمجيد لآثارها في الفن والأدب وخدمة الإنسانية، ولكن أسلوب (ديهاميل) الرائع البارع يضفي عليها جدة وخلابة، وقد عرض (ديهاميل) في إحدى محاضراته هذه إلى الحديث عن مصر القديمة بأسلوب طلى فقال:
(قلما تدهشني مناظر الأرض حين أراها من عل. حقاً إنها تبدو في هذه الحال غريبة بمقتضى مقاييسنا الإنسانية، وكثيراً ما أكون كلفاً بهذه الجغرافية المجردة، ولكني لا أتأثر بها إلا نادراً، ومع ذلك فقد شعرت بتأثير لا شك فيه عندما تكشفت لي دلتا النيل فجأة، بعد أن أمضيت ساعات فوق صحراء جرداء عابسة. ولست اعزوا هذا التأثير إلى شعوري باني استعدت مرة أخرى الحياة والخضرة وهما رمز الرجع الأبدي، كلا! فإن الذي هزني وغير إحساسي فجأة أن ألمح هكذا وبنظرة واحدة بعد التنقل من حال إلى حال، إحدى البقاع المقدسة التي انبعثت منها حضارة الغرب، وهي مصر. . .)
(لقد تشكلت هذه الحضارة وتهذبت في بطأ على ضفاف النيل، ثم انتشرت - كمياه النهر الكبير - في شرق البحر المتوسط، فبلغت الجزر، وامتدت إلى أسيا الملساء، وغزت شيئاً فشيئاً كلما سماه (فاليري) بحق: قارة البحر المتوسط، ومن هذا المكان قفزت إلى أوربا كلها ومن شواطئها وثبت إلى القارات الأخرى ثم تهذبت هذه الحضارة تهذيباً واسعاً على ممر الأيام، وظلت مصر التي كانت لها في العهد القديم مكانة مرموقة وهي غريبة عن أجيالنا، فقصارى القول أنها ظلت في الظاهر - على الأقل - بعيدة عن الإسهام في بناء القريب الذي كرست له كل شعوب الغرب جهودها).
(ولكن مصر البدائية هذه التي تبدو لنا غامضة كالطلسم، والتي يتعذر فهمها على الرغم من جهود العلماء التي تبعث الاعجاب، قد علمتنا درساً كبيراً في الماضي، ولا تزال تعلمنا هذا الدرس إلى اليوم، والى أخر الدهر، هذا الدرس الذي يخطئ هذا المجتمع المتحضر كل الخطأ إذا هو غمطه، فقد أرتنا منذ بداية تاريخ أن من أهم ما يجب على الإنسان أن يجاهد