من اجله، هو أن يستخلص من النسيان شيئاً، وان يخلف من شخصه أو من جهده أثراً خالداً. وكثيراً من الناس يشيرون في كل وقت إلى الخلود والأبدية، ولكن كثير منهم لا يفرقون بين الخلود والابدية، فهم حين يستعملون هاتين الكلمتين اللتين تبعثان في النفس الرهبة والخشية إنما يعربون في بساطة ساخرة أو مستترة عن اعتقادهم فانون، وعن رغبتهم كذلك في أن يظلوا أحياء بعد موت غيرهم، ان لم يكن بأشخاصهم فلا أقل من أن يكون بأثر من آثارهم يحيي ذكراهم بعد مماتهم. .).
(. . ذلك هو الدرس الذي تلقيه علينا مصر القديمة، وقد عرفته من أول زيارة لها، فابهرني وأنا انظر من أجواء عالية فأرى النهر القديم ينساب في جلال بين آثار إنسانية باقية. ولا شك عندي أن أكثرها دواماً وخلوداً تلك التي خلفها لنا الألى لا نكاد نعرف عنهم شيئاً إلا انهم دفنوا أحقادهم وكل أمر يدعو إلى الخصام. .).
كتاب له قصة:
في العدد السابق من (الرسالة) أشرت إلى ما نهض به السيد محمد كرد علي بك في نشر وتحقيق كتاب (المستجاد من فعلات الأجواء) للمحسن بن علي التنوخي، واشتدت بهذا الصنيع على أنه مأثرة حميدة في خدمة التراث العربي، وبعث آثاره المطمورة، ووصل حلقاته المفقودة.
وقد حدثني الأديب الفاضل بقصة عجيبة غريبة عن نشر هذا الكتاب:(لقد كانت الفكرة في هذا فكرة الأديب الباحث السيد صقر، فهو الذي جمع أصول الكتاب وقام بتصحيحه وتحقيقه، وتأهب لنشره، وأعلن لذلك في الصفحة لأهل العلم والأدب، وكان قد التقى في العام الماضي بالسيد كرد علي بك واطلعه على هذه الغاية، وطلب منه ان يفيده بما لديه من خبرة في ذلك. . ومضت ايام، وبينما الأستاذ صقر ماض في خطته إذا بنبأ من الشام يقول حسبك، فإن الأستاذ كرد علي قد قام بنشر الكتاب. وان أخانا صقر لحائر فلا يدري ماذا يصنع؟ أيصرف نفسه عن هذه الغاية على ما بذل في الكتاب من جهد وعناء، أم يقول بنشر الكتاب وفيه ما أسدى وأفاد)
قلت إنها قصة تروى. . وإني لأعرف من أمثالها كثيرات، ولكن أقول ما قال (الجاحظ) من قبل (ولولا ان أكون عياباً، وللعلماء خاصة، لأريتك من هو أبو عبيدة، ومن هو في وهمك