فحسب أخينا الأديب صقر ما قدم، ولعله يحتسبها إحدى (فعلات الأجواد) وان كان صنيع شيخنا كرد علي ليس (بالمستجاد) وان مما يروى عن أبي عبد الله بن الزبير انه دخل على معاوية فأنشده لنفسه.
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل
ويركب حد السيف من أن تضميه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل
ثم دخل معن بن أوس وانشده قصيدته التي مطلعها:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول
حتى أتى عليها وفيها البيتان السابقان بلفظهما، فاقبل معاوية على عبد الله بن الزبير الم تخبراني انهما لك! فقال: نعم، هو أخي من الرضاع، وأنا أحق الناس بشعره!. .
حرية الرأي والحكومة:
اخرج الأديب اللبناني الأستاذ (مارون عبود) كتاباً بعنوان (الرؤوس) تناول فيه العرب وعاداتهم وتقاليدهم وطرق معيشتهم وأوضاعهم بأسلوب سفساف، تجاوز الحق والأنصاف
وقد تناولت إحدى المجلات (السورية) هذا الكتاب بالنقد، فوصفته بأنه (باطل جريء في لفظ بذيء)، ونعت على مؤلفه أن يشوه الحقائق استجابة لنزعة طائفية ممقوتة، ثم قالت:(ونحن نلفت نظر حكومة لبنان الرشيدة إلى ان الحرية لا تمنح إلا ضمن إطار محدود ومقيد فمجال الأدب والأديب يتسع لكل قول لأن الأدب والأديب ليس وقفاً بين حدود طبيعية، ولكن العناصر والأجناس والأديان والرسل لها مكانها التي يجب أن تحفظ ويجب بالتالي أن يراقب كل ما يكتب بشأنها)!
وأنا أقول كلا، فإنه مهما كان من إسفاف الرأي وضلاله، وتهافت الحكم وانحلاله، ومهما كان من المؤلف في التجاوز والشطط والخلط، فلا يصح بحال ان نستعين عليه بالحاكم ليردعه، وبصاحب السلطان ليقنعه، وإلا كان هذا اعترافاً منا بان للرأي الفاسد قوة تمكنه من البقاء، وتستحق منا كل هذا العناء.
لقد كان (ابن الراوندي) اشد إسفافاً وأحط صنيعاً، فكان يصبح مع المسلمين، ويضحي مع النصارى، ثم هو في الظهيرة مع اليهود، وفي المساء مع المجوس، ولا ادري مع أي طائفة