والجغرافيين، وإنما نتحدث بالأخص عن طائفة من الرحل والمكتشفين المسلمين الذين تصور آثارهم أحوال البلاد والمجتمعات التي شهدوها، وتعتبر من الوجهة الفنية آثاراً وصفية اجتماعية قبل أن تعتبر آثاراً جغرافية. ولدينا في الواقع ثبت حافل من أولئك الرواد المشغوفين بالسياحة ودراسة أحوال الأمم، ولدينا كثير من آثارهم التي ما زالت تعتبر رغم قدمها نماذج حسنة لهذا النوع من الأدب المفيد الشائق معاً. وما نذكره منهم ومن آثارهم في هذا الفصل، نذكره على سبيل التمثيل، لا على سبيل الحصر؛ وإنما نلاحظ أن الذين عرفوا منهم وعرفت آثارهم هم أقلية صغيرة بالنسبة إلى أولئك الذين لم تصل إلينا آثارهم أو التي انتهت آثارهم إلينا، ولكنها ما زالت مخطوطات منسية في ظلمات المكاتب العامة والخاصة.
ومن أقدم أولئك الرواد الوصفيين الذين انتهت آثارهم إلينا أبو القاسم محمد بن حوقل البغدادي الذي أنفق نحو ثلاثين عاماً في الطواف بالأمم الإسلامية من بغداد إلى الأندلس، يدرس أحوالها وخواصها وأحوال شعوبها ومجتمعاتها، وذلك في النصف الأول من القرن الرابع الهجري (القرن العاشر الميلادي). وقد دون ابن حوقل رحلته ومشاهداته في كتاب أسماه (المسالك والممالك)، وهو أثر يجمع بين الناحية الجغرافية والناحية الوصفية. بيد أنه يعنى بالمشاهدات الوصفية عناية خاصة، وفيه يدون ابن حوقل خلال أخبار رحلته أحوال الأمم التي مر بها وما شاهده فيها من المناظر والمعاهد والآثار والخواص التي تستحق الذكر. وقد مرّ ابن حوقل خلال رحلته بمصر، في أواخر الدولة الأخشيدية، وخصص لمشاهداته فيها فصلاً طويلاً يصف فيه مصر الفسطاط ومعاهدها والنيل ومجراه، وكثيراً من أحوال المجتمع المصري يومئذ. وأسلوبه يجمع بين الطابعين العلمي والأدبي. ولدينا في القرن السادس رحالتان شهيران أحدهما يجوب العالم المعروف يومئذ من المشرق إلى المغرب، والآخر يجوبه من المغرب إلى المشرق، والأول هو أبو الحسن علي بن أبي بكر المعروف بالسائح الهروي، نسبة إلى هراة بلدة أسرته. وقد ولع أبو الحسن بالأسفار منذ حداثته، وخرج من الموصل مسقط رأسه يجوب أنحاء العالم لغير قصد سوى التفرج والاستكشاف، وذلك نحو سنة ٥٦٨هـ (١١٧٣م)، وأنفق زهاء ربع قرن في رحلته، فطاف أرجاء الشام وفلسطين ومصر، وقبرص وغرب الأناضول وزار قسطنطينية