هذا يا شيخ حسن؟) فيقول:(ما تسمع يا باشا؟) قال: (فأي نظارة تريد؟) قال: (المالية) قال: (لماذا؟) قال: (لأستبيح أموالها!) فذعر الباشا وخرج يرتجف، وقال لعلى مبارك باشا ناظر المعارف:(لابد أن تخرج هذا الرجل من خدمة الحكومة قال: (كيف؟ وماذا اصنع مع علماء الأرض، وهو عالم عالمي؟). كذلك كانوا. زهدوا في الدنيا فجاءتهم الدنيا، واعرضوا عنها فأقبلت عليهم، وهابوا الله فهاجم الناس، فكيف حالكم اليوم يا إخواننا الأزهريين؟ يا إخواننا، إن هذا الأزهر المعمور، لبث خمسمائة سنة من عمره، وهو منار العلم المفرد في الدنيا لولاه لتاهت في ظلمات الجهل، وهو حارس الدين واللغة، فأدركوه لا ينطفئ المنار، ويهجع الحارس، وتترك الدنيا للظلام وللصوص. يا أخوانا، ما عاش الأزهر ولا عز بالعلم وحده، وما العلم بلا عمل؟ ولكن عز بالتقوى وبالعمل وبالخلق المتين. لقد كانت لعلماء الأزهر أخلاق لا أقول ضاعت ولكن اختفت عن الناس تلك الأخلاق، كانوا يجلون مشايخهم فيجلهم الناس كلهم. هذا هوا لشيخ ألبا جوري شيخ الجامع كان يجلس بعد المغرب في الصحن فيقبل عليه العلماء والطلبة يقبلون يده، وكان الشيخ مصطفى المبلط وهو أكبر منه، ناظره في طلب المشيخة ولم ينلها، يندس فيهم ويقبل يد الشيخ، فأنتبه إليه مرة فامسك به وبكي وقال:(حتى أنت يا شيخ مصطفى؟ لا. لا) فقال الشيخ مصطفى: (نعم. وأنا! لقد خصك الله بفضل وجب أن نقره، وصرت شيخنا فعلينا أن نوقرك) وكانوا يقدمون العلم على المنصب، ويعرفون لأهله حقهم. هذا هو الشيخ الشربيني شيخ الجامع الذي يجئ إلى الشيخ ألا شموني فيراه مضطجعا على جنبه فيضع حذاءه بعيدا ويقبل عليه على مشهد من أهل الجامع حتى يلثم يده. وكان الاشموني ربما قال له:(إز يك يا عبد الرحمان؟) فيكون الشيخ كأنما حييته من فرحته بذلك الملائكة، ولم يكونوا يدعون للعدو ثغرة يدخل مها إليهم، ويجعلون خلافهم إذا اختلفوا، بينهم، هذا هو الشيخ الأمير كانت بينه وبين الشيخ القويسنى جفوة بلغت الحاكم، وزاره الأمير فسأله عنها، وأوهمه أن القويسى أخبره بها وكان يريد معرفة حقيقتها ليزيلها. فقال الشيخ الأمير:(ليس بيننا إلا الخير، وما أظن الشيخ القويسنى حدثك بشيء من هذاً) وأثنى عليه ومدحه ونزل من عند الحاكم فمر به على ما كان بينهما، وأنبأه بما كان، فقال القويسنى:(صدقت في ضنك ما قلت للحاكم شيئا) قال الأمير: هكذا أهل العلم يسوون أمورهم بينهم، أما مظهرهم فيجب أن يكون قدوة في التالف إمساكا على