الأساتذة. وكان إلى جانب دراسته هذه يدرس العربيةأيضاً دراسة متصلة لا تنقطع.
ولما كان طبعه الجسور لا يستقر ولا يهدأ، ومطامعه لا تقف عند حد فقد ترك بيروت قاصداً مدينة (شيفرمونت) في بلجيكيا فانخرط هناك في سلك الرهبنة وانغمر في الدراسات الفلسفية واللاهوتية، وقد فتحت له هذه الدراسات أجواء جديدة من المعرفة. ثم ترك (شيفرمونت) إلى مدينة (لاغنو) ثم مدينة (مونبليبه) في فرنسا، فأنجز دراسته في الدير الكرملي هناك ورسم كاهنا باسم (أنستاس الكرملي) ولما تم له هذا النجاح سافر إلى أسبانيا وأقام هناك مدة يتنقل في المدنالأسبانية ويدرس آثار العرب ومخلفاتهم وما تركوا من ذخائر نفسية في التاريخ والشعر واللغة والأدب، واستنسخ عدة مخطوطات هامة من الأديرة والكنائس المتاحف لا تزال محفوظة في مكتبته العامرة إلى الآن.
وبعد أن أنهى رحلته في أسبانيا رجع إلى بغداد فسلمت إليه إدارة المدرسة الكرملية وتولى فيها تدريس اللغتين العربية والفرنسية. ثم رأى ان هذا الجو يضيق بمعارفه وبتفكيره وما طبع عليه من انطلاق وتحرر وما في جلبته من حب للاستزادة من البحث والدرس فترك المدرسة وانصرف للتنقيب والتأليف في اللغة العربية وتاريخها والوقوف على أسرارها فكان لا يدخر وقتاً ومالاً في سبيل الحصول على كل مخطوط أو كتاب يرى فيه عونا لأبحاثه ودراساته.
وفي هذا التاريخ لمع اسم (الكرملي) باحثاً وعالماً لغوياً لا يجارى، فأخذ يضع التآليف القيمة والبحوث الهامة والدراسات المفيدة وينشر فصولا في المقتطف والهلال والمشرق وفي المجلات الأوربية التي قدرت سعة اطلاعه ونبوغه فأخذت تراسله وتعتمد عليه وتستشيره في الشؤون التي اختص بها. كما أن دوائر الاستشراق رأت فيه عالما مطلعا وباحثا عبقريا فاعتمدته في أبحاثها ودراساتها والإشراف على بعض ما يشكل عليها في تاريخ اللغة والأدب.
وفي سنة ١٨٩٦ انشأ (الكرملي) جريدة (العرب) فعاشت أربع سنوات ثم مجلة (دار السلام) التي عاشت سنة واحدة. وفي سنة (١٩١١) أصدر مجلة (لغة العرب) فكانت من أرقى المجلات العربية في العالم العربي حرر فيها نخبة من كتاب العراق والبلاد العربية، وقد عاشت هذه المجلة عدة سنوات ثم أغلقت. وعند إعلان الحرب العالمية الأولى سنة