ذلك فهمت بهجة الحب، وهذا أول ما علمتنيه. ثم إنها بعد ذلك علمتني نعيم الحياة المطمئنة الهادئة).
وحق له يحب هذه السيدة التي يدعوها عمته كما يفعل أخوته والتي تقوم منهم جميعا مقام الأم وقد حرموا من أمهم. وكان ليو منذ صغره مرهف الحس متقد العاطفة تأسره الكلمة الطيبة وتثيره الكلمة القاسية فما يملك ان يحبس دمعه وعرفت عمته تاتيانا كيف توحي إليه ما تحب من المعاني العاطفية. . .
وليس بذكر ليو أمه فقد ماتت وهو دون الثانية بقليل، وكانت سيدة كريمة المحتد نبيلة الخلق عالية الثقافة، تقية رحيمة القلب مرهفة الحس مهذبة الذوق تتكلم خمس لغات ولها بالموسيقى شغف عظيم ولها مقدرة ملحوظة في العزف على البيان وموهبة في سرد القصص جعلت لها شهرة عظيمة في هذا الباب حتى لقد كانت في حفلات الرقص تجتذب إليها كثيرين ممن يفضلون أن يستمعوا إليها على ان يشهدوا ما يدور في تلك الحفلات، وكان الطفل يستمع إلى سيرتها في اهتمام كلما تحدث عنها الخدم أو تحدثت عنها العمة تاتيانا فتقوم في ذهنه صورة لها تطمئن لها نفسه ويبتهج فؤاده وتظل هذه الأحاديث تهجس في خاطره فتزداد صورة أمه وضوحا في نفسه كلما تقدم به العمر فإذا كتب عن أمه غدا فيما يكتب قال:(لست أذكر أمي؛ لقد كنت ابن سنة ونصف حين ماتت، وبسبب مصادفة عجيبة لم تحفظ لها صورة على ذلك فلا أستطيعأن أرسم في خيالي صورتها المادية. وإنيلفرح بهذا من وجهة نظر هي أن ما يقوم بذهني لها إذ أتصورها إنما هو صورتها الروحية، وكل ما أعلمه عنها من هذه الناحية جميل، وأظن إن ذلك لم يكن مرده إلى أن من يتحدثون عنها لا يذكرون لي إلا الخير وإنما كان مرده إلى إن نفسها كانت تنطوي على كثير من الخير حقاً.
ويبقى في ذاكرته من أحاديث الناس عنها الشيء الكثير ولكنه معجب بصفة من صفاتها يراها خير الصفات جميعا ويشير إلى ذلك في قوله (أن أرفع خلالها قيمة هي إنها كانت على حرارة مزاجها وبسرعة تأثرها تضبط نفسها ابدا، ولقد يحمر وجهها ولقد تبكي كما أخبرتني خادمتها ولكنها لا تلفظ قط لفظة نابية بل إنها لا تعرف واحدة من تلك الكلمات) ويقول عنها كذلك (إنها كانت تبدوا في خيالي مخلوقا علويا روحيا طهورا وبلغت من ذلك