حدا جعلني في الحقبة الوسطى من عمري أيان جهادي ضد المغريات والوساوس القاهرة اتجه إلى روحها مصليا مبهلا إليها في صلواتي أن تأخذ بيدي. ولقد كان لي في أكثر الأحيان في هذه الصلوات كثير من العون).
ذلك أثر أمه في نفسه وإن لم يرها أما أبوه فقد كان يجلس ليو طيب قلبه وشدة عطفه على أبنائه، وكان يحب قصصه التي يتلوها عليهم أثناء الطعام كما كان يراه رفيقا بهم لا يعنفهم على زياطهم ولا يضيق بهم إذا دخلوا عليه حجرة مكتبه؛ وكان يعجب ليو بوجاهة أبيه وأناقة ملبسه إذا تأهب للذهاب إلى المدينة، وبمهارته ونشاطه وجمال طلعته إذا خرج للصيد. وكم كان ينظر إليه في إعجاب وهو جالس في مركبته وحوله عن قرب خدمه وكلاب صيده. . . كم كان يداخل الطفل شعور الإعجاب به لما يرى من هيبته؛ واستطاع خياله الناشئ واستطاعت عيناه الصغيرتان أن تنفذا إلى سر تلك الهيبة وهو احترام الرجل نفسه وصونه كرامته فما يطأطئ أبوه رأسه أو يخفض صوته أو يغير لهجته لدى أي كبير من الحاكمين مهما علا مقامه؛ ثم إنه يفطن إلى معنى آخر يحبب أباه إليه، وذلك إنه على ترفعه واستكباره أحيانا على مزارعيه يعطف عليهم فلا يرضى لهم بالعقوبة البدنية ولا يحب ان يرهقهم بالعمل فإذا حدث لهم شئ من ذلك كان على غير علم منه وإذا علم بشيء منه نهى عنه واشتد في النهي وأخلص فيه.
وسيرث ليو صفات أبيه فيكون عطوفا رؤوفا يكره العنف على المزارعين ويحب أن يعلمهم ويخرجهم من الظلمات إلى النور؛ ولكنه كذلك سوف ينشا معتدا بذاته كثير الذهاب بنفسه سريع الميل إلى ازدراء غيره، ومهما حاول التغلب على تلك النزعات في طبعه غلبته على أمره في كثير من المواقف فيزهى ويتكبر ولا يقوم في نفسه إلا شعوره بما نشأ من أيامه من دلائل العظمة والثراء وعراقة الأصل، وحسبه أن ليس هناك في ياسنايابوليانا وما حولها قوم لهم السيادة والجاه منذ عهد بطرس الأكبر إلا آل تولستوي. . .
وأحب ليو اخوته حبا شديدا وأحب اللعب معهم كلما أطلقهم المربي من حجرة الدراسة؛ أحب أكبرهم نيقولا لأنه يعلمه كل شيء ولأنه عطوف عليه مرح فكه الحديث، يراه ليو لا يبارى في سرد الحكايات والقصص الجميلة وفي رسم الصور المختلفة والأشكال والألوان وأحب سيرجى لوجاهة منظره وأعجبه منه حبه الغناء واللهو وكبرياؤه وعدم مبالاته بما