تشجيع الأدباء ناديا للثقافة والأدب كان يلقى فيه المحاضرات المختلفة في السياسة والأدب والاجتماع ويعقد الاجتماعات الأدبية والمساجلات الشعرية والملاحم التمثيلية.
وكان الاستعمار الإيطالي، فطغى على تلك الأفكار الوثابة وغمرها بسيل من التبلبل والارتباك وسد عليها المنافذ فلم تجد ما تتسرب منه وتسمع صوتها، وأمسى هذا الوضع السياسي يسيطر على العقول وبصرف نتاج الأدباء فيما يعود عليه بالراحة والاطمئنان ويعمل ما من شانه جلب الأهلين إليه ومحبتهم له واستسلامهم لما يريد بهم المستعمر، فكنت ترى الأديب منهم يذيب دماغه ويشحذ قريحته في نظم قصيدة أو رصف مقال في مدح الحاكم وسياسة دولته مما أقعدهم على مجاراة الأمم العربية أبعدهم عن الأدب العصري الذي يتناول كل ناحية من نواحي الحياة وحصره ضمن نطاق ضيق، فالاستعمار الإيطالي أطفئ هذا السراج الذي أخذ يضيء ما حوله واخمد جذوة هذا الروح الفياض، وأضحى الأدب منصرفا إلى غير ما يقوم الحياة الحقيقية والاستعمار يناهضه ويسعى بكل ما أوتيه من قوة في إبعادهم عما يرتجي من الأدب وإقصائهم عن غايته الشريفة ويقف عثرة في سبيل الوصول إلى حقائقه المرجوة.
. . . كانت الحرب الثانية وبالا على طرابلس الغرب قاسى أهلوها من مصائبها الشيء الكثير، فشردوا في أقاليم القطر المختلفة وهجروا المدن العامرة، وصواعق الأساطيل وقذائف الطائرات تدك البيوت القائمة وتهدم شوامخ القصور بين عويل النساء وأنين الشيوخ.
لهذا كان من الطبيعي أن تهمد الروح الأدبية تماما في هذه البلاد ويسود القطر ظلام وجهل يبعث الأسى في النفوس، وكانت سنو الحرب في طرابلس مرحلة فتور وجمود في الحياة الأدبية بل في الحياة العلمية بصورة اعم، فكانت مدارس القطر مغلقة والطلاب مشردين والشباب الذي كان يتذوق شئ من الأدب أضحى طريدا في القفار، وبات القلق يسيطر على السكان ويبعث فيهم الرهبة والخوف. وانجلت الحرب عن ديار أصابها الخراب والدمار، وشعب أخره التفرق والانشقاق وقد تربى الجهل على منصة البلاد فلا علم ولا أدب ولا صحف ولا نواد.
وكان في طرابلس الغرب بعض من ذوي العلم والعرفان ممن سلموا من براثن الحرب