الضروس فشمروا عن ساعد الجد والعمل وبدءوا صراعا عنيفا بين الجهل والعلم، يؤازرهم في عملهم هذا عدد من رجال الدين وضباط الوصاة البريطانيين فكان لنشاطهم هذا أثره في ازدهار الحياة العلمية والأدبية في سنين قليلة وانتشار المدارس العلمية والأندية الثقافية المنوعة فاقبل الشباب الطرابلسي ينهل م موارد العلم والأدب في مصر ويعود إلى بلاده مزودا بثقافة رفيعة ساعدت على تطور الحركة العلمية والأدبية في البلاد. وكان إقليم برقة أسبق من طرابلس في مضمار الحياة الأدبية، ولعل قربه من مصر خصه بهذه المزية السامية الرفيعة، فسرعان ما أنشئت فيه نواد مختلفة للأدب والعل، منها نادي عمر المختار، والنادي الثقافي اللذان كان عملهما مقتصرا على مدينة (بن غازي) إذ بعثا فيها الروح الأدبية شعرية كانت أم نثرية فنبغ الشعراء والكتاب الذين راو في صحيفة (برقة الجديدة) ميدانا فسيحا للتعبير عن شعورهم والإفصاح عما تجيش به نفوسهم. ولعل صاحب هذه الجريدة الفتية الأستاذ (صالح البوصير) في طليعة الشباب العاملين في الحقل الأدبي فقد قرانا له في صحيفته مقالات مختلفة في الأدب والعلم والاجتماع. وهناك الشاعر الملهم السيد (إبراهيم محمد الهويني) وله قصائد رائعة نشرتها له (برقة الجديدة) تباعا وفي إحداها قوله مادحا سمو الأمير إدريس السنوسي:
نظمت شعور القلب حتى غدا شعرا ... وهذبت هذا الشعر حتى انثنى درا
ومن ذا الذي يستطيع مدحا لعنصر ... تسامي فكان النجم والشمس والبدرا
أمير كان الله أعطاه حكمة ... أذل بها الأعداء وقاد بها الدهرا
فأهلا بعهد قد أنيرت سماءه ... وبعدا لهذاك الزمان الذي مرا
ومن الشعراء الشبان الذين أنجبتهم برقة السيد (محمد بشير المغربي) ومن درر قوله هذه القطعة الجميلة في شكوى الحياة والأصحاب:
على أي جنب في الحياة أميل ... ومالي في ظل الزمان مقيل
وأي سراب قد أضل مشاعري ... وظل به ماء اللجين يسيل
أسير وما هذا الطريق موصل ... لأمر وقد لا يستطاب وصول
دعوت رفاقي للوقوف وإنه ... قليل وما بين الرفاق دليل
فجاوبني منهم تقلب أوجه ... رأيت به ما في الصدور يجول