ويستمر الشاعر يصور آلامه وآماله وعواطفه في حبه؛ متمنيا أن يكون له في رياض الفيوم سلوى، شاكيا إلى عذارى الرياض ما يلقاه من أترابهن العذارى:
أتراه هنا سيمسي قريراً ... في رياض الفيوم طابت جوارا
يا عذارى الرياض من كل شاد ... أنا أشكو إلى العذارى العذارى
أنا أشدوا لها جراحي شعراً ... فعساها تُضَمِّد الأشعارا
ثم تذكرهم بحيرة قارون في دجى الليل بمحبوبه، فيشدو ويصدح مؤكدا وفاءه لعهد الأحباب:
يا أحبَّاي والديارتناءت ... كيف أنسى أحبتي والديارا
لست أنسى ملاعبي والضفاف ... الخضر تجري من تحتهن نضارا
لست أنسى بها مواثيق عشنا ... نتحدى بصدقها الأقدارا
لست أنسى ولا أخالك تنسين ... فحتى متى نطيق انتظارا
أما (طاهر) فقد شاهد قافلة الشعر تسير إلى الفيوم وفيها الأدباء والشعراء والوزير الضخم فعنى بتصوير هذا الموكب وجماله أكثر من أي شئ، إنه لموكب رائع للبيان وكما يقول:
موكب للبيان فيه اللواء ... يفزعُ الدهرَ وخدُه والحُدَاءُ
ضاربٌ في صَحرائها يسبق الركب ... جلالٌ من هدية ورُواءُ
مثلما يسبق الشعاعُ إذا ما ... أعلن الصبحَ للوجود ذُكاءُ
والشاعر لا ينسى نفسه في هذا الموكب، وكيف ينسى وهو الذي (في محرابه يعبد الفن وتستهوي ضوءه الأضواء)؟
لو تحس البيداء منِ سار فيها ... لتغنَّت من شجوها البيداءُ
شاعر في محرابه يُعبد الفنُّ ... وتستهوي ضوءه الأضواءُ
ذو بيان لو عاقرته الندامى ... لتناهت عن شربها الندماءُ
وهتوف يكاد يشرق في أنحاءه ... الخبر والمنى والرجاءُ
ثم يعلى شأن الفن في الحياة ويثور على العلم الذي أصبح المعلول الهدام في صرح الحضارة:
ومن الشعر ما يعلمك الحق ... إذا موَّه الوجودَ الرياء