المدرسة القديمة واستبدادهم وتخطيهم الرقاب بشهرتهم، واستغنائهم عن الإخلاص والصدق ويفخرون بأن مذهبهم الجديد إنما يقوم على أساس من الحجج الناصعة، والبراهين الدامغة؛ ولا يبغي سوى الحرية والحق، وما زالوا يعملون المعاول في المذهب القديم حتى أحالوه صعيداً جرزاً، ولكن ما كادوا ينتصرون ويفرح الشباب بهذا الانتصار وتفيض نفوسهم غبطة وابتهاج له، حتى تبدلت نفوسهم، وتجهمت قلوبهم، وأصبحوا للشباب ألد الأعداء، بعد أن كانوا أخلص الأصدقاء، وأخذوا يضعون اللجم في الأفواه والأصفاد حول الأعضاد، والعقبات في سبيل النفوس الناشئة السائرة على الدرب، وبذلك مثل شيوخ الأدب في مصر وفي القرن العشرين المأساة المبكية المضحكة التي مثلها من قبلهم رجال الثورة الفرنسية حين ثاروا على استبداد البوربون، فقوضوا صرحه، ثم أقاموا مكانه استبداد نابليون، أليس كذلك؟!
رحم الله المدرسة القديمة وطيب ثرى رجالها الأبرار! لقد قال الأستاذ الدكتور طه حسين عن أحدهم وهو المغفور حفنى بك ناصف (كنا نستعينه على أن نكون خيراً منه، وكان يعيننا على ذلك راضياً به مبتسماً له راغباً فيه). فأين هذه العلاقة الأبوية العطوفة من علاقة الإذلال والاستعباد التي يريد شيوخ الأدب أن تكون بينهم وبين الشباب؟ هم يخيرون أدباء الشباب بين أمرين أحلاهما مر، أما أن يندمجوا في أشخاصهم ويفنوا فيهم ويسبحوا لهم بكرة وأصيلا وغدواً ورواحاً، وإلا فالويل والثبور لهم أن حدثتهم نفسهم بإبداء رأي حر في كتاب شيخ أو قصيدة، أو يتربصون بهم حتى إذا وقعوا في أيديهم فرائس أثخنوهم طعناً فما يبقون فيهم ذماء من حياة؛ فالموقف الأول مفسد للنفوس مميت للضمائر، والموقف الثاني مثبط للهمم مضعف للعزائم، وكلاهما لا يرضى الكرامة ولا العدل، وما كان للشباب وهم الذين طالما غسلوا بدمائهم الزكية طريق الحرية أن يقبلوا الابتعاد في الأدب بعد أن أبوه في السياسة.
ولست أرى مبرراً لهذا الموقف الشاذ الغريب من الشيوخ فالمألوف أن الأدباء يختلفون في الرأي ويختصمون في الفن فماذا يخيفهم من نقد الشباب لآثارهم؟ إلا أن الأمر لا يخلو من أحد اثنين: أما أن إنتاج الفني قوي لا مغمز فيه فلا يعقل أن النقد يغض من قدره وينقص من قيمته، أو أنه ضعيف فيكون من حق الفن ألا يدخل في حرمة المقدس. أما دعوى