للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي اليوم الموعود، وصلت العربة والجواد في وقت واحد إلى منزل هكتور، فنزل فجأة ليفحص الحصان، ثم خاط لبنطلونه سيورا لركوبه، وأصلح سوطا للضرب اشتراه البارحة، ورفع بالتعاقب قوائم الحصان وراح يجس عنقه وخاصرتيه وثنيات قوائمه ثم تحسس بإصبعه كليتيه وفتح فمه، ونقب عن أسنانه فاحصا عمره. وحيث أن العائلة كانت تستعد للنزول فقد خطر له أن ينطلق به حول المنزل، ويطبق في ركوب هذا الجواد الكريم، ما عنده من نظريات في فن الركوب. ولما أخذوا جميعا أمكنتهم من العربة، راح يتأكد من متانة سيور السرج، ثم قفز إلى ظهر الجواد فسقط على ظهره سقوطا أرقص الحصان فأخذ يثب تحت هذا الحمل، وقد قام في نفسه أن يربك راكبه. وتأثر هكتور من هذه الوثبات، فاجتهد أن يهدي من حدته فقال له: هيا. ولكن برفق يا صديقي، وعلى مهل. ولما ثابت للحصان سكينته هتف صائحا:

هل انتم مستعدون؟! فانطلقت الأصوات تقول نعم. وحينئذ قال آمرا هيا إلى الطريق. . . ثم ابتعدت القافلة الصغيرة شيئا فشيئا. ولكن الحصان أخذ يعلوا بصاحبه ويتهادى كأنما هو في حفل رقص، حتى لقد خيل لهكتور إنه موشك على السقوط عن ظهره. لهذا ثبت عينيه في الأرض وقد علت محياة صفرة الرعب. وكانت امرأته وهي تحمل أحد الطفلين إلى صدرها، والمربية وهي ترفع الثاني لا تفتران عن الهتاف في أذن الطفلين: ألا تنظران أباكما؟ وسكر الطفلان بنشوة النزهة وهزة الفرح واعتلال الهواء فكانا يصرخان ويزيطان زيطا أجفل الجواد المسكين فجرى يركض ويعدو. وبينما كان فرسه يجهد في كبح جماحه تدحرجت قبعته على الأرض. فتحتم على سائق المركبة أن ينزل من مقعده لالتقاطها ومناولتها لصاحبها وبحصول هكتور عليها بدا يوجه عن بعد امرأته:

- ألا تريدين إسكات الطفلين عن الصراخ والضجيج؟! إن صياحهما يغيظني. . . ونزلت القافلة فتناولت طعام الإفطار فوق العشب الخضل تحت ظل غابة من صندوق ملئ مؤنه وطعاما، وبالرغم من أن سائق العربة لم يقصر في الاعتناء بالجياد، كان هيكتور بين حين وآخر ينهض ليرى ما إذا كان جواده لا ينقصه حاجة. وحينئذ يأخذ في مداعبته في عنقه ثم يناوله بيده الخبز الأبيض وفطائر (الكاتو) اللذيذة وقطع السكر الفاخرة. وكان لا يفتأ يعلن أن جواه مسباق. . نعم إنه هزني وزلزلني من على صهوته أول الأمر، ولكنك أبصرت يا

<<  <  ج:
ص:  >  >>