للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(هنريت) كيف استمسكت عليه، والآن وقد عرفني فلن يبدي أي حركة مطلقا. ورجعت العائلة من طريق (الشانليزه) كما كان مقررا. كانت الجادة حافلة بالعربات والمركبات وعلى جانبي الطريق ازدحمت الأرصفة بجموع المتنزهين، وكان سيلا دافقا من أشعة الشمس يسقط على هذه الخلائق، فيؤلق دهانات العربات ويلمع نعال الأفراس، ويضوي مقابض ومطارق الأبواب. وكأن جنون الحركة نشوة الحياة كانتا تحركان جماهير الناس وجماعات المتنزهين وأسراب الحيوانات. وما كاد حصان فكتور (قوس النصر) حتى مسته حماسة جديدة. وبالرغم من كل محاولات راكبه لضبطه ورد جماحه أخذ ينطلق في الطريق كالسهم المنقذف. كانت العربة وراءه بعيدة عنه. فلما واجه هكتور قصر (باله لاندوستري) شاهد الجواد الطريق أمامه منفسحا كميدان السباق فانطلق يعدوا كالريح، وكانت امرأة عجوز في ثياب الخدمة تقطع الرصيف بخطوات بطيئة، فرأت نفسها بغتة في طريق حصان هكتور، وكان الجواد قد تنكب الجادة وتوسط الرصيف. ورأى هكتور نفسه عاجزا عن كبح حرن الجواد، فبدا يصرخ بملء صوته، هه. . . هولا. وراءك ولكن ربما كانت العجوز صماء، لأنها واصلت سيرها هادئة حتى اللحظة الأخيرة التي التطمت فيها بصدر الجواد، الذي كان مقذوفا كمحرك القطار. فتدحرجت العجوز عشر خطوات بعد أن أكبت ثلاث مرات على رأسها وبعد أن طار عنها صدار الخدمة وتعالت أصوات من الشارع: اقبضوا عليه، أمسكوه! فضاع رشد هكتور، وتمسك بظهر الجواد، ثم انطلق يقول: النجدة، الغوث. ولكن صدمة عنيفة ألقت به من سرج حصانه، فانقذف كعيار ناري من فوق رقبة الجواد. وإذا به يقع بين يدي ضابط من ضباط الجيش هجم عليه كي يمسكه، وفي لحظة، تحلق حوله رهط من الناقمين، ولكن سيدا متقدما في السن يزدان صدره بكثير من الأوسمة المستديرة، ويعلو فمه شارب ابيض ضخم اغتاظ منه أكثر من الحاضرين فقال:

تبا لك! حين يكون المرء أخرق مثلك يقتضي أن يلزم منزله فلا يخرج ليقتل الناس على قارعة الطريق بعدم استطاعته قيادة جواده. وفي هذه اللحظة ظهر أربعة رجال يحملون المرأة العجوز، وكانت كأنها الميتة بوجهها الأصفر الكالح وقبعتها الملوثة بغبار الطريق قال الرجل المسن:

احملوا هذه المرأة إلى صيدلية إسعاف. وهيا بنا إلى ضابط الشرطة. ومشى هكتور في

<<  <  ج:
ص:  >  >>