ناخذ تاكسي ولاَّ نركب الترام؟) وكنت نافذ الصبر، مجنون الرغبة، فقلت:(تاكسي). ولو كانت طيارة لركبت إلى ما يأخذني إليه طيارة، ولم أساله إلى أين، حتى نزلنا من السيارة، فسألت السائق:(كم تريد)؟
قال:(ثلاثين قرشاً) فارتعت لحظة ولكني لم أبال، ونقدته الأجرة ونظرت فإذا الذي بقي في جيبي اثنان وعشرون قرشاً، وسائر فلوسي عند الفندق. نفقة الشهر كله خمسة عشر جنيهاً. . .
قال الشاب:(إيدك على جنيه بأه). قلت:(جنيه؟) قال: (أمّال؟ دي بنت تمانطاشر، زي الأمر). فنظرت هنا وهناك أبغي مهرباً ولا أعرف الطريق. فقال:(مالكش مزاج ولا إيه؟). قلت:(في وقت ثاني). قال الخبيث:(على خاطرك. هات تعبتي بأه) فأعطيته خمسة قروش، ولم يحب أن يفلتني قبل أن ينتف ريشي فعاد يحدثني حديث الرجس، وقال لي أن عنده بنات أخر، ولكن لكل ثمن، فبنت مصرية سمراء كأن عينيها عينا غزال شارد، وبنت شامية من صفتها كذا، وبنت عراقية من بلادنا من نعتها كذا، وبنت رومية كأن جسمها العاج المشرب بعصير الورد، وكأن شعرها أسلاك الذهب، تسقي من فمها خمراً، ومن مقلتها سحراً ورآني أرتجف من الانفعال، ورأى وجهي شاحباً، فقال: هي بنت بيت (مش من دول) لا تأخذ فلوساً لأن أباها من كبار أصحاب المصارف، ولكن للبواب جنيهان ليغض النظر، وله هو جنيه، واثنان لوصيفتها لتكتم الأمر، وتحفظ الباب. . .
وسحرني الملعون. فقلت:(لا بد لي من الذهاب إلى الفندق لآتي بالفلوس) قال: (هيا بنا).
وتسلم الجنيهات الخمسة، وأدخلني عمارة فخمة في شارع الملكة نازلي، فأصعدني إلى الطبقة السابعة، وأشار إلى باب فقال: إنها هنا. ولكنه لا يستطيع أن يدخل معي، فهو ينتظرني عند البواب، ونزل بـ (المصعد) الذي صعدنا به، وأقدمت مضطراً فقرعت الباب بيد ترتجف، ففتحة لي خادم اسود مسن، ووقف ينظر ما أقول له، ووقفت مبهوتاً فقال:(إيه؟ عاوز مين؟) فسكت. قال:(الله! أنت عاوز مين؟) قلت: (جورج)، وكان هذا هو الاسم الذي خطر على لساني. قال (جورج؟! دا منزل أحمد بك صالح المحامي) واغلق الباب في وجهي، ولم أجد المصعد فنزلت على الدرج، من الطبقة السابعة، فلما بلغت الباب لم أجد الشاب ولا البواب!