الأزبكية التي لم يعرف (المنفلوطي) من تحديدها إلا إنها فوق الغبراء تحت السماء، وتمنيت من الخجل أن أغوص في الأرض وأحسست أن الدنيا تدور من حولى، ولم ينقذني إلا رجل دخل فتوسط الباب الدوار، فدفع (قرش تعريفة) فأداره له البواب حتى صار في الحديقة، فصنعت صنيعه وأنا لا أعقل ما أصنع. . .
جلت في الحديقة فوجدت نساء من كل لون وجنس، ولكني كنت كمن ألقي في الماء قبل أن يتعلم السباحة، فلم أدر كيف السبيل إليهن، وحاولت أن أتذكر ما قرأت من القصص وماذا يعمل إبطالها في مثل هذا الموقف، وما حفظت من أشعار الغزل، فلم يخطر على بالي إلا أبيات (سألت الله يجمعني بسلمى) فقد كانت حالي كحال هذا الشاعر، أرقب أن تجيء إحداهن فتأخذ هي بيدي وتجرني إليها، ولكني لم أر غرفاً ولا مخادع، ثم وجدت بناء في الحديقة فعلمت أن المخادع والغرفات فيه، وبقيت إلى المساء أدور، لا أفكر في طعام ولا أشكو التعب، حتى إذا قيل اخرجوا ستغلق الحديقة، خرجت وما أظن أن على ظهر الأرض إنسان أخيب مني. . .
وجعلت أعود إليها، كل يوم، فلما كان بعد ثلاثة أيام، وكنت قاعداً على مقعد وأمامي امرأة قصيرة الثوب، عارية الساق قد رفعت رجلا على رجل، فأبدت ما أحسست به كالبارود في أعصابي، وجعلت أنظر إليها، علها تلقي بصرها علي، فأغمزها بعين - وقد فكرت في ذلك الليلة البارحة كلها، ورأيته هو الطريق إليها، بعدما أعياني الوصول، وجربته أمام المرآة حتى حسبتني أتقنته والتفتت إلى فغمزت بعيني، فإذا بها تشمخ بأنفها، وتقوم فتمضي وعلى وجهها مثل إمارات الاشمئزاز. . . وسمعت ضحكا من ورائي فتلفت مذعوراً، فإذا أنا بشاب على رأسه كمة بيضاء يلبس (قفطاناً) يبدو عليه أنه فلاح، تلوح عليه سيمياء الفقر، وراى ذعري فقال:(إزيَّك) قلت: (كلُّش زين) ففهم أني غريب، وأني عراقي. فقال:(عجبتك؟) فاستحييت أن أجيب. فقال الخبيث:(ليه؟ أنت مكسوف)؟ ما تتكسفشي! تعال أوديك واحدة أحلى منها).
إنكم لا تستطيعون أن تتصوروا ماذا صنعت بي هذه الكلمة وأنا الذي عاش عمره يشتهي أن يشم ريح امرأة من مسافة فرسخ وتشجعت فقلت له بصوت مخنوق:(شْلُون؟).
قال:(شلون يعني إيه؟ تعال معايا. تعال) واخذ بيدي وأخرجني من الحديقة، وقال: (تحب