للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قرأت في (النظرات) للمنفلوطي رحمه الله، أن الأزبكية، ولا مؤاخذة، هي المكان الذي تميل إليه نفس كل شاب، لأنه أوسخ معابد الشيطان، السوق التي تباع فيها اللذائذ، فاقتربت منها وقلبي يجف كأني مقبل على جريمة قتل، وهل الزنا إلا أخو القتل؟ وتمثل لي ماضي وأخلاقي، وطلعة الشيخ، فارتددت وتلفت أنظر هل راني من أحد - لا تضحكوا أرجوكم فإني اصف لكم ما وقع لي، ومر رجال، خيل إلي أن واحداً منهم يحدق في، ويحدّ النظر إلي ويتبسم فشعرت أن دمي كله قد صعد إلى رأسي، وأن أذني قد صارتا جمرتين ملتهبتين، وتصبب العرق من جبيني، لما وقع في نفسي من أن الرجل يعرفني، ويعلم ما اسعي إليه، فأسرعت في مشيتي حتى نبهت الناس ألي بإسراعي، فجعلوا ينظرون إلي متعجبين من عجلتي، وكلما رأيت ذلك منهم ازددت عجلة، كأني الجواد الأصيل يقرع بالمقارع ليقف، وكلما أحس وقعها طار جرياً، حتى إذا ابتعدت وقفت، ووجدت راحة الخلاص من الإثم، كما يجد الغريق راحة الوصول إلى الهواء، ومشيت لا اعرف لي وجهة، فعاد الشيطان يوسوس الي، فثارت الرغبة في نفسي كرة أخرى، وندمت على أن أضعت هذه الفرصة التي انتظرتها دهراً مديداً، وفكرت فيها مسهداً ليالي طوالا، وقطعت من اجلها قفراً وخضت بحراً، ومشيت من مشرق الشمس إلى مغربها، فعدت وجعلت أدور حول سور الحديقة، وقلبي يكاد يمزق بوجيبه جدار صدري، وكان اليوم يوم أحد، فرأيت غوانيها من خلال السور قاعدات باديات المفاتن أو مضطجعات أو منبطحات على الكلأ ساحرات بالمقل النواعس، وبالسوق والأفخاذ، فكدت أجن، ولا تنسوا أنى لا أزال اعتقد أن الحديقة هي (أزبكية المنفلوطي). . .

وشددنا أشداقنا كيلا يفلت الضحك منا، ومضى في قصته.

قال: ورأيت على مقعد شاباً وفتاة، وهما يتناجيان، وعلى وجهيهما من ظلال الحديث، مثل ما يكون على وجه البحيرة الساكنة من شعاع القمر، وقد تداني الرأسان، والتفت الأيدي بالمناكب، وتعارض الساقان، وأحاطهما بجناحيه إبليس الهوى، فجن جنوني، ودفعتني موجة الانفعال التي ماجت في نفسي، فأقدمت حتى إذا ضعفت الموجة وماتت، كما تموت أمواج البحر وسط اللجة، ألفيتني عند الباب، فوقفت لا ادري ماذا اعمل، وتخيلت كأني قد أقمت على عمود في رحبة القرية والناس كلهم ينظرون إلي يقولون: هذا الذي دخل

<<  <  ج:
ص:  >  >>